أحمد سليمان النجار 

١٠:١٦ ص-٢٧ ابريل-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ١٠:١٦ ص-٢٧ ابريل-٢٠٢٤       26345

عودة الديناصورات ( قوة الضعف ) ..!!

استغل ( مهايطي ) وجوده بين مجموعة من ضعاف البنية , فصاح بكل صوته مُتحدياً :
من يُصارعني ؟!
لم يُجبه أحد , ولكن قبل أن تكتمل البسمة على شفتيه , خرج له فجأة عملاق مفتول الذراعين ( شلولخ ) , مُثبتاً أن ( الديناصورات ) لم تنقرض بعد ..!!
ورفع ذراعه الضخم وقال : أنا ..!!
ابتلع ( المهايطي ) ريقه , ونظر للجميع , ثم أمسك بذراع ( الديناصور ) وصاح ثانية :
من يُصارعنا نحن الاثنان ؟!!

هذا الانسحاب من ( المهايطي ) يُعتبر ضعفاً حقيقياً , لأنه لم يكن قوياً في الأساس , بل استغل وجوده بين من هم أضعف منه ليُبرز قوته , وعندما اصطدم بمن هو أقوى منه , انسحب هذا الانسحاب المُخزي ..!!

ولكن - ومالايعلمه الكثير - أن الضعف في بعض الحالات هو عين القوة ..!!
ولذلك أطلقتُ عليه : قوة الضعف ..

ففي أي بيئة تكون القيم الإنسانية مُرتفعة فيها , يكون الإنسان فيها , كلما ازداد ضعفاً أزداد قوة ..!!
ولنبدأ بالجنين في بطن أمه , ولاأظن أن هناك ضعفاً أكثر من هذا , ولكنه -على الرغم من ذلك - قوي , لأنه يحصل على كل احتياجاته دون أ،ن يبذل جُهداً وبالمجان , وفوق ذلك ينعمُ بالحماية والأمان ..!!
وعندما يخرج من بطن أمه , تبدأ معاناته مع ضعفه تزداد كلما تواجد في بيئة أقل قيمية , وتقل في الأكثر قيمية ..

فالفقير والمريض وصاحب الإعاقة والطفل الصغير والمرأة المُنكسرة - لأي سبب -  حتى الحيوان - لن يعاني بسبب ضعفه ..!!
فكل ضعيف سيجد من حوله من يحنو عليه ويمد له يد العون ويقدّر وضعه ويقدم له كل مايستطيع , فيصبح مجموع مايحصل عليه - من كل فرد في البيئة - قوة تفوق قوة أقوى الأقوياء من الأصحاء الأغنياء ..!!

وهذا بالضبط ماتريد أن تُحدثه تعليمات الشريعة الرائعة , حتى مع الحيوان الضعيف ..
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِّشُ(ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها )( أبو داود ).

هذا جانب من قوة الضعف , وهناك جانب آخر عظيم للغاية , يتمثل في التكيف والانسحاب متى ماكان الانسحاب قراراً حكيماً , عندما يطرأ على الإنسان ظروف أقوى منه , وليس عندما يسعى لها كما فعل ( المهايطي )..

 وتروي بعض المصادر غير الموثقة : أن المدمر الأسود عنترة بن شداد العبسي ,كان يمشي مدججاً بسلاحه , فخرج عليه ثور ضخم , فركض عنترة وتسلق شجرة حتى انصرف الثور ثم نزل , فخرج عليه رجل ساخراً قائلاً :
عنترة وتفر من ثور ؟!!
فتبسم عنترة وقال : وماأدرى الثور أني عنترة ؟!!
وقرأت مرة أن إحدى المناطق - في استراليا كما أظن -  كانت تعاني من كثرة الأعاصير المدمرة فيها , وكان في المنطقة نوعان من الأشجار , السنديان واللبلاب , فعندما يزمجر إعصار , تقف السنديانة الضخمة القوية( هياط طبيعة ) في وجه الإعصار , أما اللبلاب والضعيف بلا ساق له فيتمايل مع الريح العاتية حيث مالت ..!!
وعندما يهدأ الإعصار ويغفو كالطفل , يجدون اللبلاب كما هو , أما السنديانة فقد اقتلعها الإعصار وقذف بها بعيداً محطمة ..!!

وعلى ذكر ( الديناصورات ) فلقد أثبتت دراسة قام بها فريق من العلماء وعلى رأسهم ( دون بيكر ) الأستاذ في قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة (ماكجيل) , بأن الديناصورات لم تنقرض بسبب اصطدام الكويكب بالأرض , ولكن لأن الانفجارات المتتالية تسببت في تغير الحياة على الأرض , ولأن ( الديناصور ) ضخم , كان أقوى - مؤقتاً - من التغيير , وبالتالي لم يملك الضعف الإيجابي ولم يستطع التكيف مع تلك المتغيرات , فانقرض ..!!

وخلاصة القول :
مايظهر - أحياناً  - أنه ضعف ، هو بنفسه عين القوة , وأننا كلما ازددنا إنسانية كلما ازداد الضعيف بيننا قوة , والعكس بالعكس ..!!
وأنه - أحياناً -  نحتاج أن نتخذ قراراً بالانسحاب والتراجع , ليس -  ضعفاً - ولكنه قوة لامثيل لها , فمثل هذه القرارات لايقدر على اتخاذها إلا القوي الحقيقي ..!!

وكما قال الشاعر :
بعض المعاركِ في خسرانها شرفٌ ** 
من عاد مُنتصراً من مثلها انهزما ..!!

أحمد سليمان النجار