

بقلم: أحمد سليمان النجار
( التغيير هو الثابت الوحيد ).. فيلسوف التغيير ( هرقليطس )
بدايةً، أشكرُ مجمع الحكماء على قرارهم وضع تمثال نصفي لي في متحف ( الدلوخوفر ) وكتابة عبارة الثناء والمدح العظيمة هذه تحته :
( He doesn't have what my grandmother has)
كما أرغب في أن أُضيف لفكرة صديقي الغالي ( أبو قراطيس ) عن التغيير، عمقاً آخر، يتمثلُ في المرحلة التالية لتنفيذ قرار التغيير مباشرة، فهذه المرحلة هي أخطر مرحلة على الإطلاق في التغيير، وهي ماقد يُسميها البعض بـ ( جحيم التغيير ) ..!!
فالتغيير - حقاً - كما يرى ( هرقليطس ) حتمي ولامفر منه، بل وأكثر من ذلك، فمن لا يتغير يُغَيَر، ولذلك لا ننفك نقول :
سبحان من يُغَير ولايتغير ..!!
ولذلك فعلى كل من يتخذ قراراً يحملُ تغييراً ما، أن يستحضر أمام عينيه هذه المرحلة ( جحيم التغيير ) وأن ينزلها منزلتها، وأن يضعها في حسبانه، وأن يُعد لها عدتها، وأن تكون لديه إجابة واقعية وصادقة عن سؤال : "هل سأستطيع عبور هذه المرحلة أم لا ؟!"
ولتتضح الفكرة أقول : "شخصٌ في النقطة ( أ ) وقرر التغيير والانتقال للنقطة ( ب)" ، فمثلاً : شخص مُدخن ( النقطة أ ) وقرر التغيير وترك التدخين ( النقطة ب) ..
مابين النقطتين مرحلة خطرة وصعبة وشاقة، يتساقط فيها كثير، ويفشلون في عبورها، ثم ينكصون على أعقابهم للنقطة ( أ ) وأحيانًا بشكل أشد وأكثر مما كانوا عليه .!!
ومعظم قرارات التغيير الرائعة تموت في هذه المرحلة ..!!
ومن الطبعي أن دائرة تأثير قرار التغيير إذا كانت تتجاوز صاحب القرار ليتأثر بها غيره، كان لازماً عليه أن يراعي ذلك، وأن يدرس وبدقة ووعي وصدق، ذلك التأثير، ومقدار احتمالهم له، وقدرتهم على التماسك حتى عبور هذه المنطقة القاسية ..!!
وهذا يقتضي أمرين اثنين ، الأول :
صحة القرار ومدى الحاجة إليه، وسلامة توقيته، وقبل ذلك، التيقن التام بأن النقطة ( ب ) هي نقطة سليمة وأفضل من النقطة ( أ ) وتستحق العبور في هذه المنطقة، فقد يكون – في بعض الأحيان – قرار التغيير غير سليم، وأن النقطة ( ب ) منطقة لايفترض التحرك نحوها من الأساس، وأن النقطة ( أ ) أفضل منها وبكثير، وفي بعض الأحيان يُضاف إلى ألم ( جحيم التغيير ) مانسميه بـ ( نقطة اللاعودة ) فلا نصل إلى ( ب ) وفي نفس الوقت لا نتمكن – لأسباب كثيرة – العودة على الأقل للنقطة ( أ ) ..!!
أما الأمر الثاني، فهو متعلق بالداخلين في دائرة التأثر بالتغيير، فهم رفقاء الرحلة والمعينون عليها – بعد الله – وبهم ومعهم سينجح التغيير ويؤتي أُكله ..!!
وهذا يقتضي بداية إشراكهم في القرار، وتوعيتهم بضرورة التغيير وأهميته، وإشعارهم بصعوبة الأمر وشدته، ومايتوجب عليهم من صبر وتماسك وتضحيات – في بعض الأحيان – للوصول إلى المنطقة المنشودة، وأن تلك المنطقة المراد التغيير نحوها هي الأفضل والأجمل والأكثر فائدة للجميع، ويقيناً لو تفهموا ذلك سيهون عليهم – كثيراً – عبور هذه المنطقة، فأحياناً قسوة منطقة ( جحيم التغيير ) إن كان هناك مبرر حقيقي ومنطقي وحكيم من عبورها، ستكون مُحتملة، إن تذكر العابرون أن في نهاية المطاف هناك نقطة رائعة سيصلون إليها بعد الألم، فمثلاً :
لو أن هناك شخصٌ يريد الوصول للمنطقة ( س) وأخبرته أنه ليس هناك إلا طريق واحد لها لاغير، وهذا الطريق – وللأسف – كله متاعب ومصاعب ومشاق، ولكنك في النهاية ستصل للمنطقة ( س ) فهو – وبالتأكيد – يحتمل كل ذلك، وبل وستكون كل تلك المعاناة والمصاعب أوسمة فخر واعتزاز و ذكرى جميلة ودليل على عزمه وإرادته وتصميمه على التغيير الإيجابي رغم كل شيء ..!!
هذا إن كان التغيير قراراً يتخذه الإنسان سعياً للأفضل، ولكن في بعض الأحيان هناك تغيير لايد للإنسان فيه، كالتغيير في السن أو في الحالة المادية أو نحو ذلك، وهنا لابد أن نستدعي مقولة صديقي العزيز الفيلسوف الألماني ( شوبنهاور )
, والتي أخبرني بها قبل أن نُغير مكاننا بعد أن طردنا ( القهوجي ) ( علشان اتفلسفنا عليه ) :
" ليس البقاء للأقوى أو الأذكى، وإنما للأكثر تكيفاً مع التغيير" ..

