

بقلم -الكاتبه فوز الرحيلي
مستقبل الاستثمار الرياضي في السعودية يشهد تحولًا غير مسبوق، حيث أصبحت الرياضة أحد أبرز أركان رؤية المملكة 2030، ليس فقط كقطاع ترفيهي، بل كقوة اقتصادية واجتماعية وسياسية.
منذ دخول صندوق الاستثمارات العامة بقوة في هذا المجال، تغيرت معادلة الرياضة السعودية محليًا ودوليًا، لتنتقل من المنافسة الإقليمية إلى ساحة العالمية، وتصبح محط أنظار كبرى المؤسسات الرياضية والاقتصادية.
الخطوة الاستراتيجية التي اتخذتها المملكة عبر ضخ استثمارات ضخمة في الأندية السعودية لم تكن مجرد إنفاق مالي، بل هي مشروع متكامل يهدف إلى تحويل القطاع الرياضي إلى صناعة قائمة بذاتها، توفر فرص عمل، وتخلق قيمة اقتصادية، وتساهم في رفع جودة الحياة.
هذه الخطوة جاءت مدروسة، إذ بدأ الصندوق بامتلاك حصص في أندية كبرى، والعمل على تطوير بنيتها التحتية، وإعادة هيكلة إدارتها، وتحسين مواردها المالية.
أبرز مظاهر هذا التغيير كان في الدوري السعودي للمحترفين، الذي شهد طفرة في استقطاب النجوم العالميين مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ونيمار وغيرهم، ما جعله منافسًا لأقوى الدوريات الأوروبية.
هذا الحراك لم يكن هدفه الترفيه فقط، بل تعزيز قيمة الدوري تجاريًا وتسويقيًا، وتحويله إلى منتج عالمي يجذب الرعاة والمعلنين، ويرفع من قيمة حقوق النقل التلفزيوني إلى مستويات قياسية.
لكن مع هذه الطموحات، هناك تحديات قائمة يجب التعامل معها بحذر، أبرزها ضمان استدامة هذه الاستثمارات وعدم تحويلها إلى إنفاق استهلاكي غير مدروس.
فنجاح المشروع يعتمد على بناء منظومة اقتصادية متكاملة، تشمل تطوير الأكاديميات، وتحسين مستوى اللاعبين المحليين، ورفع كفاءة المدربين والإداريين، مع وضع خطط لتسويق المواهب السعودية عالميًا.
كما أن دخول المملكة القوي في الساحة الرياضية العالمية فتح أبوابًا سياسية ودبلوماسية جديدة، إذ أصبحت الرياضة قوة ناعمة تعكس صورة المملكة الحديثة، وتدعم مكانتها في المشهد الدولي.
استضافة بطولات عالمية كبرى مثل كأس العالم للأندية وبطولة الفورمولا 1 ومنافسات الملاكمة، كلها أمثلة على كيف يمكن للرياضة أن تكون أداة للتأثير الدولي وبناء علاقات استراتيجية مع الدول والمنظمات.
المستقبل يحمل فرصًا هائلة، ولكن النجاح يتطلب الحزم في مواجهة التحديات، مثل ضبط التكاليف، ووضع سياسات واضحة للحوكمة، وضمان عدالة المنافسة المحلية، حتى لا تتحول هذه الطفرة إلى فجوة بين الأندية الكبرى والصغرى.
ومن هنا، يأتي دور المؤسسات التشريعية والرقابية، لضمان أن يكون الاستثمار أداة لتطوير الرياضة لا وسيلة للهيمنة المالية فقط.
في ختام المشهد، تقف الرياضة السعودية اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية يمكن أن تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة عالميًا، شريطة أن تُدار هذه الطفرة الاستثمارية بحكمة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.
فما يجري حاليًا ليس مجرد دعم للأندية أو استقطاب للنجوم، بل هو مشروع شامل يهدف إلى بناء اقتصاد رياضي متكامل، يعزز مكانة المملكة كلاعب رئيسي في صناعة الرياضة العالمية.
وقد عكست فعاليات منتدى الاستثمار الرياضي في شهر إبريل 2025 الذي نظمته وزارتا الرياضة والاستثمار هذا التوجه الطموح، حيث كان المنتدى منصةً لتعزيز آفاق الاستثمار وتسليط الضوء على الفرص الواعدة، بمشاركة واسعة من القطاعين المحلي والدولي وممثلي الاتحادات الرياضية العالمية.
كما تناول المنتدى التحديات وطرح الأفكار الريادية، مع التركيز على الاستدامة وتنمية الفرص الاستثمارية، بما يعكس طموح المملكة في أن تكون مركزًا عالميًا للرياضة ومصدر فخر لكل سعودي يرى راية بلاده ترفرف في كبرى المحافل الدولية.

