الكاتب : النهار
التاريخ: ١٨ نوفمبر-٢٠٢٥       8030

بقلم - نوره محمد بابعير 

أن معرض  سيتي سكيب 2025  لم يظهر بوصفه حدثاً عقارياً تتجاور فيه المجسّمات والمشروعات فحسب، بل بوصفه مساحة تُعاد فيها صياغة العلاقة بين الإنسان ومدينته، وكأن المملكة تعيد كتابة هويتها العمرانية بلغة ثقافية تلامس الزائر وتدعو السائح إلى قراءة المكان لا مجرد زيارته. في أروقة المعرض، يشعر المرء أن العمارة لم تعد هي البداية والنهاية، بل صارت وسيطاً بين الماضي والمستقبل، وجسراً يمدّه المصممون والمعماريون ليعبر السائح من خلاله نحو فهم أعمق للمكان.

لم تعد المدينة كتلة صامتة من الحجارة؛ أصبحت نصاً يمكن للزائر أن يقرأه، وسردية تتوالى فصولها بين الأزقة والمساحات العامة، بين الأيقونات البصرية والمشهد الطبيعي.

وهذا التحوّل هو ما جعل الحضور في سيتي سكيب يشعرون أن الاستثمار الحقيقي ليس في المباني، بل في الحكاية التي تحملها تلك المباني.

فالمشروعات الجديدة في الرياض والدرعية والعلا ووسط جدة ونيوم والبحر الأحمر تنطلق من ذاكرة المكان، لكنها لا تستنسخ الماضي؛ بل تُعيد استخدامه كنبضة أولى تُبنى عليها رؤية مستقبلية تُحافظ على الأصالة دون أن تغلق أبوابها عن العالم.

السائح الذي يقف أمام الدرعية اليوم لا يرى طيناً جافاً، بل يرى سرداً مكتوباً على جدرانها يشرح كيف وُلدت الدولة وكيف تشكّلت ملامحها.

وفي العلا ، لا تشغل الزائر الطبيعة وحدها، بل العلاقة العميقة بين الصخر والإنسان، بين التاريخ والخيال.

أما وسط جدة، فيبدو كما لو أن المدينة تعيد اكتشاف نفسها عبر ترميمها للروح قبل الحجر، لتقدّم تجربة معيشية تجعل الزائر يسير كما لو كان أحد أبنائها، يقرأ الأزقة بقدمَيه، لا بعينيه فقط.

هذه الروح هي ما يجعل سيتي سكيب مساحة حوارية بامتياز.

فالمعماريون والمستثمرون وصنّاع السياحة لا يتحدثون عن أرقام وجداول، بل عن أسئلة تتعلق بعمق الهوية: كيف نصنع مدينة تتجاوب مع الإنسان قبل أن تُدهشه؟ وكيف يمكن لمبنى حديث يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي أن يظل مُحمّلاً بذاكرة المكان وثقافته؟ أحد المعماريين، في حديث جانبي داخل المعرض، قال جملة بقي صداها يتردد: "لمعماري الحقيقي هو الذي يبني علاقة، لا مبنى".

وربما كانت هذه العبارة مفتاحاً لفهم التحوّل الذي تشهده المدن السعودية اليوم.

السياحة في هذا السياق لم تعد حركة انتقال بين المعالم، بل فعل قراءة ثقافية.

بات الزائر يفتش عن روح المدينة في مقاهيها، في ظلّ حاراتها القديمة، في الواجهات الجديدة التي تحاول أن تستعير من الماضي لغته دون أن تقلده.

المدينة أصبحت نصاً مفتوحاً، والسياحة باتت نوعاً من التأمل الاستبطاني الذي يجعل الإنسان يرى شيئاً من نفسه في المكان، ويرى شيئاً من المكان في نفسه.

وهكذا، يبدو أن  سيتي سكيب 2025  لا يضيف فقط مشاريع جديدة إلى خريطة السعودية، بل يضيف معنى جديداً لمفهوم المدينة نفسها.

مدينة تزار بلا شك، لكنها تُقرأ أيضاً، وتلهم، وتحكى.

فهنا، حيث يلتقي التراث بالاستدامة، وتلتقي التقنية بالذاكرة، تتشكل ملامح مستقبل لا يقطع صلته بالجذور، بل يجعل تلك الجذور هي العلامة الأكثر إشراقاً في طريقه