

أحمد سليمان النجار
بقلم- أحمد سليمان النجار
تهنئة العيد :
لستُ ممن ينسخ التهاني ، ولا ممن يرسل التبريكات بقصٍ ولصق ، أكتب التهنئة بنفسي وعصارة فكري ، فهذا أقل واجب ..
كل عام وأنتم بخير وعيدكم سعيد
دعواتكم لي بتسهيل الولادة
أختكم / مريام
لعنوان هذا المقال قصةٌ طريفة , وذلك أن أحد الأصدقاء كان غاية في الطيبة وخفة الظل والذكاء , ولكن - فيما يبدو - كان نائماً عند توزيع فن المجاملة الاجتماعية على البشر ..!!
فكان لايُبارك لأحد ولايرسل تهنئة لأي مناسبة , ولكن كان الكل يقبل منه ذلك , بل ويستلطفه , لأنهم يعلمون طبعه مع الجميع , ويعلمون طيبة قلبه , وأنه بالفعل يسعدُ لمن تسعده مناسبة سعيدة ويحزن مع صاحب المصاب , ولكنه لايُظهر ذلك ..!!
وذات عيد - ولأول مرة في تاريخه - أرسل رسالة جماعية لنا كلنا , رسالة قصيرة لاتحمل إلا جملة واحدة فقط وهي :
كل عام وأنتم بخير ؟!
أثارت علامة الاستفهام والتعجب استغراب بعضنا , ولكننا لم نسأل عن ذلك , وعندما التقيت به ، سألته عن الأمر , فضحك وقال :
( أنا قصدي السؤال : كل عام وأنتم بخير ؟! يعني مافي عام مانتم بخير ؟!)
تأتي التهاني في المناسبات الاجتماعية والأعياد - على وجه الخصوص - وتأتي معها كثير من المسائل المختلفة , وعلى رأسها إرسال التهاني أوتلقيها من الآخرين , فبعض الناس , يحمل هذا الأمر على محمل صعب للغاية , وتُحدِثُ لديه فرقاً كبيرأً , ويبدأ في تقييم مكانته عند شخصٍ ما , بناء على مبادرة الشخص في تهنئته , بل ويتعدى ذلك إلى طريقة التهنئة ووسيلتها , فقد يُغضبه مجرد رسالة مكررة لغيره , ويرى أن له خصوصية تُلزم المهنيء بتخصيصه بحضور أو اتصال أو - على الأقل - رسالة مكتوبة له على وجه الخصوص ..!!
وهذه المتطلبات , لاتعني أمراً سلبياً في نفسية من يطلبها , ولاتنمُ -بالضرورة - عن تكبر أو غطرسة , بل -في كثير من الأحيان - تُحمَلُ على ( عشمه ) الكبير في الشخص الذي ينتظر منه ذلك , وهذا لا شيء فيه البتة ..
ولكنها - وبالتأكيد - ستتسبب لصاحبها بكثير من المتاعب النفسية والصدمات وخيبات الأمل ..!!
وذلك لأمرين اثنين :
الأول :
طبيعة الحياة ومافيها من متغيرات وتسارع في وتيرتها وتشعبات وانشغالات وميلٍ نحو المادية الملموسة وعزوفٍ عن كثيرٍ من المجاملات الاجتماعية الهامة , فبات منحنى المجاملات الاجتماعية وبالذات في كثير من المناسبات العامة والتي لايترتب عليها منفعة مادية ملموسة من صاحبها , بات هذا المنحنى في انخفاض متسارع وشديد للغاية , ولولا أن أكرمنا الله بوسائل تواصل مختلفة يسرت الأمر وأعادت الحياة في المنحنى فعاد للارتفاع ثانية , وإلا لكانت هذه المجاملات الاجتماعية في طي النسيان , ومقصورة على خاصة الخاصة , ثم ستختفي حتى عند هذه الفئة ..!!
وهنا تنشأ الحاجة لقاعدة هامة للغاية , وهي قاعدةً :
{ خذ العفو }
وهذا الأمر الرباني الموجه للرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه توجيه عظيم , بأن نقبل من الناس ماقدموه - مادياً ومعنوياً - على حسب قدرتهم وطاقتهم وسماحة أنفسهم , وهذا ليس قولي انا , بل هو قول كثير من المفسرين وأهل العلم الأجلاء , فقد قال عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - وهو أحد العبادلة الأربعة في تفسير هذا ألأمر :
أمر الله نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يأخذ العفو من أخلاق الناس.
وقال مجاهد :
( خذ العفو ) : يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس ، وذلك مثل قبول الاعتذار والعفو والمساهلة وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك ..
بل إن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك ، فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل :
ما هذ ؟!
قال : لا أدري حتى أسأله ، ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ..!
أي كن أنت المبادر دون النظر في تقصير الناس , وكما قال ( اسماعيل شاشي كابور غاندي ) :
كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم ..
الثاني :
إن التهنئة نفسها - وبالذات العامة منها- حولها خلاف كبير , وأجمل ماقرأت في ذلك :
قول لابن تيمية ولأ حمد بن حنبل :
أنا لا ابتدى أحداً، فإن ابتدرني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة ومن تركه فله قدوة، والله أعلم .
فهي بمنزلة العادة لا العبادة , فكما يُقال : ( ياعمي لاتدقر )
وكما قال العبقري بن جدلان :
يدك لامدت وفاء لا تحرّى وش تجيب..
كان جاتك سالمة.. حب يدك وخشِّها ..
وكل ما صادفت لك فالزمن وجه غريب..
مثل ماقال المثل : دام تمشي مشها..
فاقبل التهنئة كما أتتك , ولابأس أن تدعو - لمن نسخ تهنئة وحولها لك كما هي - بتسهيل الولادة ..!!

