

النهار
بقلم - د. خالد بن يحيى القحطاني
خلال السنوات الأخيرة، تزايدت التحديات والهاكاثونات وورش العمل التي تُقام تحت شعار (الابتكار) وتُصرف عليها ميزانيات ضخمة، لكن أثرها على الواقع ضعيف أو غائب. كثير منها يتحول إلى فعاليات إعلامية وصور تذكارية، بينما تظل الخدمات كما هي والسياسات بلا تغيير. هذه الظاهرة عُرفت عالميًا بمصطلح (مسرح الابتكار) (Innovation Theater)، وهي تعكس انشغال المؤسسات بالمظاهر بدلًا من الأثر.
ستيف بلانك أشار في Harvard Business Review عام 2019 إلى أن مؤسسات عديدة انشغلت بفعاليات ابتكار لامعة ومسابقات براقة، لكنها في النهاية لا تخلق قيمة حقيقية. وأكدت دراسات لاحقة أن هذه الأنشطة لا تتجاوز إضفاء رمزية للتطور، دون أن تصنع أثرًا ملموسًا. وهنا يكمن الوهم: إحساس بالإنجاز بلا نتيجة.
الفرق بين (المسرح) و(المختبر) واضح: المسرح عرض قصير ينتهي بالتصفيق، بينما المختبر عملية طويلة من التجريب والفشل والتعديل حتى تخرج فكرة قابلة للتطبيق. المسرح يقيس النجاح بالصور المنشورة، أما المختبر فيقيسه بفاعلية الحل حين يُطبق فعليًا. الابتكار في جوهره ممارسة، لا عرضًا مؤقتًا.
أما في المملكة العربية السعودية، ومع توسع برامج رؤية 2030، فقد أصبح الابتكار محورًا رئيسيًا في كثير من المجالات، والتحدي هنا هو ألا تتحول هذه الجهود إلى حملات موسمية بلا أثر. وقد تصدت هيئة الحكومة الرقمية لهذا التحدي ببناء منظومة عملية تنقل الابتكار من العرض إلى الممارسة؛ فأنشأت مركز الابتكار كبيئة للتجريب والتصميم التشاركي، ولتمكين الجهات الحكومية من اختبار أفكارها في نطاق واقعي قبل تعميمها. كما أطلقت الهيئة تحديات مثل (GovJam) التي تُنتج مكتبة من الحلول القابلة للتطبيق بين جهات مختلفة، بدل أن تنتهي بانتهاء الفعالية. ولم تكتفِ الهيئة بذلك، بل اعتمدت مؤشر نضج التجربة الرقمية لقياس أداء المنصات الحكومية سنويًا، ما يعكس التزامًا بالمتابعة والشفافية. كما جاءت جائزة الحكومة الرقمية لتكريم الإنجاز الفعلي في الخدمات الرقمية، وهو ما تجسد في فوز وزارة الداخلية بجائزة الابتكار المفتوح عن مبادرات منصة (أبشر) خلال مؤتمر (ليب 2024).
هذه الأمثلة توضح أن الابتكار في سياسات المملكة لا يُعامل كشعار أو عرض استعراضي، بل كممارسة مرتبطة بالتنفيذ والقياس والنتائج. فالمسرح قد يمنح بريقًا مؤقتًا، لكنه لا يبني مستقبلًا. المستقبل يُصنع في المختبرات الحقيقية، حيث تُختبر الأفكار وتتكرر المحاولات حتى تثمر حلولًا تُحدث فرقًا. والمطلوب اليوم أن تتنبه الجهات الحكومية لهذا التوجه، فتترجمه في سياساتها وهياكلها الداخلية، لتصبح الابتكارات جزءًا من عملها اليومي لا مبادرات عابرة. فرؤية 2030 تراهن على هذا المسار: الابتكار كجزء من نسيج المؤسسات، لا مجرد عرض عابر على مسرحها.

