النهار
بقلم - علي المالكي
تشير زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى الولايات المتحدة إلى مرحلة جديدة من الحضور السعودي في الساحة الدولية. فقد جاءت الزيارة في وقت يتسم بتعقيدات سياسية واقتصادية عالمية غير مسبوقة، من صراعات الطاقة، وتغير شكل التحالفات، وتزايد الدور الجيوسياسي للقوى الصاعدة، ما جعل من السعودية لاعبًا رئيسيًا في إعادة رسم خريطة المنطقة، بل وبعض جوانب النظام العالمي.
إنّ تحليل الزيارة لا يكتمل دون قراءة طبقاتها المتعددة: الدبلوماسية، الأمنية، الاقتصادية، الإقليمية، وشخصية القيادة ذاتها. فالأمير محمد بن سلمان لا يقود فقط سياسة خارجية، بل يقود تحوّلًا كاملًا في هوية الدولة السعودية، وهذا ما يجعل زياراته الخارجية تحمل وزنًا سياسيًا يتجاوز الطابع البروتوكولي.
أولًا: التحول من موقع الشريك التقليدي الى الشريك المحوري
لطالما كانت العلاقات السعودية–الأمريكية قائمة على معادلة واضحة: سلاح مقابل طاقة.
غير أنّ المشهد الحالي يختلف جذريًا، ليس فقط بسبب التغيرات في أسواق الطاقة العالمية، ولكن لأن السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان أصبحت قوة ذات مشروع سياسي واقتصادي مستقل، لا يتوقف على متطلبات القوى الكبرى، بل يتحرك وفق رؤية وطنية واسعة ذات بعد عالمي.
هذا التحول جعل الولايات المتحدة تنظر إلى الرياض باعتبارها:
• شريكًا اقتصاديًا ضخمًا يتوسع في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والمشاريع العملاقة.
• قوة إقليمية تُمسك بخيوط التوازن في الشرق الأوسط
• لاعبًا مؤثرًا في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية.
• طرفًا ذا وزن استراتيجي في إعادة بناء العلاقات الدولية متعددة الأقطاب.
ومن هذا المنطلق، جاءت زيارة ولي العهد كتأكيد على أن السعودية لم تعد دولة تُفاوض وتبادر وتؤثر.
ثانيًا: اقتصاد سعودي جديد يفرض واقعه على العالم
من أهم محاور الزيارة ما يتعلق بالاقتصاد، حيث ناقش سموه توسعة الاستثمارات المشتركة، والاستفادة من الطفرة الاقتصادية التي تشهدها المملكة مع تقدم مشاريع رؤية 2030.
في التحليل السياسي، لا يمكن النظر إلى هذه الشراكات بوصفها عقودًا اقتصادية فحسب، بل هي أدوات لبناء:
1. تحالفات استراتيجية طويلة المدى
2. شبكات مصالح تربط السعودية بأسواق التكنولوجيا العالمية
3. قوة ناعمة اقتصادية تؤثر على قرارات سياسية دولية
هذه الرؤية تتجاوز فكرة تنويع مصادر الدخل، لتصل إلى بناء اقتصاد حديث مرتبط بقيادة ذات طموح عالمي.
وقد ظهرت خلال الزيارة معالم مرحلة جديدة، تؤسس لاقتصاد سعودي قادر على تمويل مشاريعه العملاقة، وبناء شراكات كبرى، وصناعة مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة والصناعات السيادية.
ثالثًا: التعاون الدفاعي… بين المتطلبات الأمنية والتحولات التكنولوجية
مناقشة الملف الدفاعي خلال زيارة ولي العهد حملت دلالات واضحة.
فالمملكة لم تعد فقط مستوردة للسلاح، بل أصبحت تتجه نحو بناء صناعة دفاعية وطنية متكاملة، هدفها:
• تطوير القدرات العسكرية السعودية
• امتلاك المعرفة التكنولوجية
• تحقيق اكتفاء مستقبلي
• المشاركة في منظومات أمنية إقليمية
ونظرة الولايات المتحدة الإيجابية لهذا التوجّه تعكس احترامًا دوليًا لمشروع التحديث العسكري السعودي تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، الذي قاد جهودًا ضخمة لإعادة هيكلة القوات المسلحة وتحديث استراتيجيات الأمن الوطني.
رابعًا: السعودية فاعل إقليمي لا مجرد دولة نفطية
الملفات الإقليمية التي نوقشت خلال الزيارة – من غزة، إلى اليمن، إلى أمن البحر الأحمر، إلى العلاقة مع إيران – تؤكد أن السعودية اليوم لاعب محوري في صياغة مستقبل المنطقة.
وتتجلى أهمية الدور السعودي في ثلاثة عناصر أساسية:
1. القدرة على إدارة التوازنات الإقليمية
السعودية قادرة على التواصل مع جميع القوى الإقليمية والدولية، من واشنطن إلى بكين، ومن العواصم العربية إلى العواصم الآسيوية.
2. تبني سياسة خارجية براغماتية ومتوازنة
هذه السياسة عززت الاستقرار في المنطقة، وخفّضت مستويات التوتر في ملفات معقدة.
3. امتلاك رؤية تنموية تمتد خارج الحدود
من الدعم الإنساني، إلى الاستثمار في المنطقة، إلى تعزيز الاستقرار الأمني.
وهنا يظهر أثر قيادة الأمير محمد بن سلمان، الذي نقل السعودية من موقع “الدولة المراقبة” إلى موقع الدولة المبادرة التي تشارك في صناعة الحلول.
⸻
خامسًا: شخصية قيادية تصنع الفرق
في التحليل السياسي، لا يمكن فصل السياسة عن شخصية القائد.
وشخصية الأمير محمد بن سلمان أصبحت عاملًا مؤثرًا في نظرة العالم للسعودية.
يمتاز سموه بـ:
• حسم في اتخاذ القرار
• رؤية استراتيجية طويلة المدى
• قدرة على مخاطبة القوى الدولية بندية وثقة
• إدارة فعالة للملفات الداخلية والخارجية
• روح قيادة شابة تغير شكل الدولة الحديثة
هذه السمات جعلت العالم ينظر إلى ولي العهد كقائد قادر على قيادة دولة كبيرة مثل السعودية نحو مرحلة جديدة من التاريخ، تعتمد على القوة الاقتصادية، والتأثير السياسي، والتحولات الاجتماعية، والانفتاح المدروس.
سادسًا: دلالات الزيارة على مستقبل العلاقات السعودية–الأمريكية
تظهر القراءة العميقة للزيارة أن العلاقات بين الرياض وواشنطن تتجه نحو:
• توسّع استراتيجي في مجالات الدفاع والتكنولوجيا
• تنسيق أكبر في الملفات الإقليمية
• توازن قائم على المصالح المشتركة
• بناء مرحلة جديدة من العلاقات تتناسب مع حجم التحولات التي تقودها السعودية
إنها علاقة جديدة من نوعها، تعكس موقع المملكة في عالم متغيّر، وتعكس كذلك قدرة القيادة السعودية على صياغة علاقة أكثر وضوحًا وفاعلية مع القوى الكبرى.
خلاصة تحليلية
تؤكد زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة أن السعودية اليوم ليست فقط دولة تمتلك موارد ضخمة، بل دولة تملك رؤية، وتملك قرارًا، وتملك قائدًا قادرًا على تحويل الطموح إلى واقع.
لقد جاءت الزيارة لتعكس:
• قوة سياسية متنامية
• نفوذًا اقتصاديًا عالميًا
• حضورًا دبلوماسيًا مؤثرًا
• قيادة متمكنة تمتلك الثقة والرؤية
وبذلك، يمكن القول إن الزيارة ليست حدثًا عابرًا، بل محطة مفصلية ستنعكس آثارها على المنطقة، وعلى العلاقات الدولية، وعلى مستقبل السعودية التي تتقدم بخطى ثابتة تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان نحو موقعها الطبيعي كقوة مؤثرة في القرن الحادي والعشرين