النهار
بقلم - علي بن عيضة المالكي
كيف أصبح نجم كرة القدم الدولي كريستيانو رونالدو جزءًا من رواية التغيير الرياضي والسياحي في المملكة العربية السعودية، ولماذا فشلت حملات التشكيك في قدراته ؟
ليست كل التحولات الكبرى بحاجة إلى بطل سياسي أو اقتصادي فحسب؛ أحيانًا تحتاج إلى رمز ثقافي يرسّخ صورة المشروع أمام العالم، ويجسد جرأة التحدي، ويقدّم دليلًا ملموسًا على أن ما يُبنى ليس مجرد رؤى معلّقة في الهواء، غير أنه واقع يتحرك على الأرض.
وفي السعودية، لعب كريستيانو رونالدو هذا الدور بدقّة مذهلة منذ مجيئه إلى نادي النصر السعودي في 30/ديسمبر/2022م
علينا أن نستوعب بإن مشروع صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائم على إعادة تشكيل البنية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للمملكة، وتحويلها من دولة تعتمد على مصدر واحد، إلى دولة تصنع مستقبلها بقطاعات متنوعة: سياحة، رياضة، ابتكار، استثمار، وترفيه.
بالطبع أي مشروع في بدايته سوف ينتقد ويمكن التشكيك في نجاحه ومهاجمته بشراسة ؛ لأن أي تغيير جذري سيصطدم بمن يريد الجمود أو يرى التقدم تهديدًا لمفاهيم قديمة، ومع ذلك، فإن قوة المشروع ليست في الكلام، إنما في الشواهد: مدن تُبنى، مشاريع تُطلق، قطاعات تنهض، وشباب يجدون أبوابًا جديدة لم تكن متاحة من قبل.
حين تعاقد النصر مع كريستيانو رونالدو، انطلقت موجة من السخرية والتقليل، سواء من جماهير كرة قدم أو من إعلام غربي حول فشل استقطاب نجوم العالم للدوري السعودي وتحويل بوصلة التفكير لديهم نحو السعودية ، كان ذلك مستحيلاً في نظر الكثير ، لم يكونوا يتصوروا أن مركز الثقل يمكن أن يتغير.
لكن السؤال العريض: لم هاجم الكثير مجيء رونالدو إلى المملكة العربية السعودية رغم أنه جزء من الرؤية لمشروع تحول القطاع الرياضي والسياحي والترفيهي !
هناك نقطة لم يفهمها من هاجموا هذا الرمز العالمي ، غاب عنهم أنه جاء ليساهم في إنجاح رؤية سمو سيدي ولي العهد ، كما أن الصفقة لم تكن محاولة لشراء شهرة إنما كانت لكسر حاجز نفسي عالمي تجاه المشروع الرياضي في السعودية إذ أثبتت المملكة أن بإمكانها جذب أكبر نجوم العالم، وأن مركز الجاذبية الرياضية لا يجب أن يبقى محصورًا بين أوروبا وأمريكا.
أتى رونالدو كرسالة ثقافية وحدثًا رياضيًّا ثقيلاً ، كان وحده رمزًا لملايين اللاعبين والهواة والمعجبين ، كان حدثًا جريئًا ساهم في إعادة تعريف الخريطة الثقافية والرياضية والترفيهية والسياحية، فقد استطاع في غضون سنتين أن يغير النظرة النمطية السطحية التي كانت سائدة تجاه المنطقة، وأنه شكل دفعة هيكلية للدوري السعودي فوجوده رفع من مستوى الاحتراف ونقل عقلية اللاعبين والأندية إلى مستويات قياسية من الجدية والانضباط ، كما رفع القيمة السوقية للدوري ومكانته الإعلامية.
إذن أثبت هذا اللاعب أنه برهان عملي على أن الحلم الكبير ليس رفاهية ؛ إنما قدرة على اتخاذ قرارات جريئة وفتح مسارات لم تكن موجودة.
لقد أفشل حملات التشكيك فالواقع لا يمكن مجادلته ولا يستطيع أحد مجاراته ، فرونالدو كان ولا يزال آلة أرقام: أهداف، تأثير، حضور إعلامي، استثمارات، رفع جودة اللعب، وجذب لاعبين عالميين بعده.
الانتقاد الذي انطلق أول يوم تراجع أمام مشاهد الملاعب الممتلئة، والأثر التجاري، والنمو المتسارع للدوري السعودي، والتحول في صورة البلد لدى ملايين المتابعين.
لقد بات رونالدو بطلاً لأكبر قصة في تاريخ كرة القدم على الاطلاق، بالطبع ليس بديلاً عن الأبطال الحقيقيين في المشروع، وليس واجهة سياسية، لكنه رمزًا ثقافيًا يعبر عن روح المرحلة:
الجرأة، الحلم الكبير، كسر التوقعات، ومحاولة إعادة تشكيل موقع السعودية في العالم، فيما أصبح وجوده لغة مشتركة، يفهمها الجمهور في العالم أكثر مما يفهم لغة الاقتصاد أو السياسة.
وهو بذلك يؤدي دورًا حقيقيًا، دور من يترجم طموح بلد كامل بلغة عالمية بسيطة. لغة كرة القدم.
أما التشكيك في مشروع السعودية نفسه، فهو يتهاوى أمام حجم المشاريع المنفذة، وحجم التغيير الملموس في حياة الناس، وفرص العمل، والحركة الاقتصادية والثقافية التي لم تكن مألوفة قبل سنوات.
المشككون في قدرات رونالدو أو في مشروع السعودية يواجهون مشكلة واحدة: أن الواقع يتحرك أسرع من سردياتهم.
وما دام المشروع قائمًا على الرؤية والعمل، وما دام الواقع يتغيّر على الأرض، فإن الهجوم لن يكون أكثر من صخب مؤقت تجاه مشروع دولة بطله السياسي والقيادي ولي العهد السعودي وبطله الرمزي هذا اللاعب العالمي، بينما يبقى البناء هو اللغة الوحيدة التي لا يمكن لأحد أن يجادلها.
آخر الكلام
لا تسألني لماذا لم تفهم المستقبل، لأني سوف أجيبك حينها بإجابة تختصر لك الطريق لأقول لك: أنت تقيس التحول الكبير بعقلية الماضي.