النهار
بقلم - محمد السويعي
وقّعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية شراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي خلال زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في خطوة تُعد من أهم المحطات في مسار التحول الرقمي الوطني، ومن أبرز مبادرات تعزيز علاقات البلدين في مجالات التقنية المتقدمة.
تمثّل هذه الاتفاقية نقلة نوعية تدخل بها المملكة عصر الذكاء الاصطناعي المتقدم، عبر تعاون علمي وتقني يفتح الأبواب واسعة أمام بناء اقتصاد معرفي مُستدام يتوافق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
تُتيح الشراكة وصولاً مباشراً إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المعالجات فائقة القدرة، والبُنى التحتية السحابية المتقدمة، وهو ما يعزز قدرة المملكة على إنشاء مراكز بيانات من الجيل الجديد، وتطوير شبكات حوسبة عالية الأداء تُستخدم في مختلف القطاعات الحيوية.
هذا التقدم لا يتعلق بالبنية التقنية فحسب، بل يشمل كذلك نقل المعرفة، وتأهيل الكفاءات الوطنية، وتأسيس بيئة علمية تُسهم في إنتاج حلول محلية مبتكرة، الأمر الذي يرسخ مكانة المملكة كوجهة عالمية في صناعة البيانات والذكاء الاصطناعي.
ومن أبرز تأثيرات الاتفاقية أنها تمهد لتسريع أعمال البحث والتطوير بين الجانبين، وفتح المجال أمام شراكات مع كبرى الشركات والمختبرات الأمريكية، مما يُسهم في ابتكار حلول عملية متقدمة في الطاقة، الأمن السيبراني، الصحة، والخدمات اللوجستية.
كما تُحفّز الاتفاقية الاستثمار المشترك في مشاريع رقمية ضخمة توفر فرص عمل نوعية، وتدعم تنويع مصادر الدخل الوطني بما يتجاوز الاعتماد على القطاعات التقليدية.
وتكتسب الاتفاقية أهميتها أيضاً من بعدها الاستراتيجي في الحفاظ على الابتكار وحماية حقوق الملكية الفكرية، وضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
هذا ينسجم مع توجه المملكة نحو تعزيز الأمن السيبراني وبناء منظومة رقمية قوية قادرة على التعامل مع التحديات العالمية المتسارعة في هذا المجال.
ومع أن المملكة تُحرز تقدماً ملحوظاً في تطوير منظومتها الرقمية، فإن هذه الشراكة تمنحها دفعاً إضافياً نحو ترسيخ ريادتها الإقليمية والعالمية، خصوصاً مع ما تمتلكه من ميزات نوعية تشمل الموقع الجغرافي الاستثنائي، ووفرة الأراضي الملائمة لبناء مراكز البيانات العملاقة، ووجود أكبر تجمع للمواهب الرقمية في المنطقة، إضافة إلى قوة الاقتصاد السعودي وقدرته على الاستثمار في أحدث التقنيات.
إن توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي لا يُمثّل تعاوناً تقنياً فحسب، بل هو خطوة نحو صياغة مستقبل أكثر تقدماً واستدامة، ويُشكّل امتداداً لطموح المملكة العربية السعودية أن تكون قوة عالمية في صناعة الذكاء الاصطناعي، وشريكاً رئيسياً في مسيرة الابتكار العالمي، وأن تحقق استفادة كبيرة من التكامل بين التكنولوجيا والاقتصاد وتحويل ذلك إلى فرص واقعية، تنموية وعلمية واقتصادية.