

النهار
بقلم - اللواء م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي
منذ أن قامت المملكة العربية السعودية على أسس راسخة، وقادتها حريصون على تثبيت مبادئ الإسلام وقيمه، وحماية ثقافة المجتمع وصون عاداته وتقاليده، كان النهج واضحًا: لا مجال للعبث بالمنظومة الأخلاقية والاجتماعية، ولا مكان لمن يحاول تشويه صورة المجتمع السعودي الأصيل، فالمملكة منذ تأسيسها وحتى اليوم تسير على خط واحد أساسه حماية القيم، وصون الهوية، وتعزيز مكانة المجتمع بين الأمم.
وفي ظل الطفرة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، برزت تحديات جديدة ألقت بظلالها على المشهد العام، أبرزها ما يقدمه بعض الباحثين عن شهرة زائفة من محتويات مسيئة أو هابطة أو مضللة، حتى ظن بعض المتابعين من خارج المملكة أن هذه الصور المشوهة تمثل حقيقة مجتمعنا وقيمنا وأخلاقنا، وهنا برزت الحاجة إلى تدخل حازم يعيد ضبط المسار ويضع معايير واضحة للمحتوى المنشور.
وجاءت ضوابط المحتوى الإعلامي من الهيئة العامة لتنظيم الإعلام لتكون بمثابة صمام أمان يحمي المجتمع من الفوضى الرقمية، فهي لم تأتِ اعتباطًا، بل بعد دراسة دقيقة للتجاوزات والمخالفات التي تفاقمت خلال السنوات الماضية؛ بدءًا من التنمر والاستهزاء بالآخرين، مرورًا بنشر خصوصيات الأسر وخلافاتها الداخلية، ووصولًا إلى بث الشائعات والمعلومات المغلوطة، فضلًا عن المظاهر التي تمس الذوق العام والقيم الأخلاقية، أو تستغل براءة الأطفال وحاجة العمالة.
هذه التنظيمات تحمل في جوهرها رسالة واضحة: الحفاظ على سمعة المجتمع السعودي وصورته المشرقة، والوقوف بحزم أمام أي محاولة لتشويهها، فهي لا تقتصر على منع المحتوى المسيء، بل تشمل أيضًا اللباس والسلوكيات التي تخالف القيم العامة، وتفرض احترامًا للذوق والآداب، وتضع ضوابط تضمن أن تبقى المنصات الإعلامية منسجمة مع هوية هذا الوطن وثقافته.
وما يميز هذه الخطوة أنها ليست قرارًا طارئًا، بل امتداد لسياسة ثابتة للدولة، نهجت من خلالها حماية المجتمع عبر كل المراحل؛ فكما صانت الأرض والإنسان، ها هي اليوم تصون الفضاء الرقمي من العبث والإسفاف، والمطلوب الآن أن تتعزز هذه القرارات بحزم في التنفيذ، وأن تُطبق العقوبات على المخالفين بلا تهاون، حتى يكونوا عبرة لكل من يحاول استغلال هذه المنصات للإساءة لقيم المجتمع.
ويبقى الدور الأكبر على وعي المواطن؛ إذ لا يكفي أن تسن الدولة الأنظمة وتفرض العقوبات، بل لا بد أن يتصدى المجتمع نفسه للمحتوى المسيء، برفض متابعته، وعدم الترويج له، والإبلاغ عنه، والالتفاف حول ما يعكس الصورة الحقيقية للمجتمع السعودي، حينها فقط تتكامل الأدوار بين الدولة والمجتمع، لتظل المملكة كما عهدها العالم: رائدة في قيمها، قوية في مواقفها، وأصيلة في هويتها.

