

النهار
بقلم - مبارك بن عوض الدوسري
في لحظة مؤثرة، ودّعت المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي أحد أبرز علمائها، سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، المفتي العام للمملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، والرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى صباح يوم الثلاثاء الأول من ربيع الآخر 1447هـ. وقد أديت الصلاة عليه في جامع الإمام تركي بن عبدالله بمدينة الرياض بعد صلاة العصر من نفس اليوم، كما أقيمت عليه صلاة الغائب في المسجد الحرام والمسجد النبوي وجميع مساجد المملكة، بناء على توجّيه خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله في مشهد يعكس مكانته الجليلة ومحبته الواسعة بين أبناء الوطن والعالم الإسلامي.
لقد عُرف سماحته بعلمه الراسخ ومنهجه الوسطي وحرصه على نصح الأمة وتوجيهها، فكان مرجعاً موثوقاً في الفتوى، وصوتاً للحكمة والاعتدال، ومعلّماً للأجيال في فقه الدين ومقاصده؛ ولم يقتصر أثره على المنابر العلمية، بل امتد إلى تشجيع الأعمال التطوعية وتعزيز القيم المجتمعية التي تنهض بخدمة الوطن والإنسانية.
ومن أبرز الملامح الإنسانية في مسيرته العامرة، مواقفه الداعمة لشباب الكشافة السعودية خلال موسم الحج، حيث اعتاد أن يستقبلهم في مقر إقامته بمكة المكرمة أو مشعر منى؛ وكان لقاءه بهم دائماً يحمل بعداً أبوياً وتربوياً، إذ يستمع إلى تقاريرهم عن استعداداتهم وخططهم لخدمة ضيوف الرحمن، ثم يوجه لهم كلمات مؤثرة تضيء دروبهم وتدفعهم لبذل المزيد من الجهد.
كانت كلماته لهم أشبه بالوقود الروحي الذي يعزز عزيمتهم، فقد أشاد مراراً بعملهم في إرشاد الحجاج التائهين ومساعدتهم على أداء المناسك، معتبراً أن هذا العمل "خدمة شرعية جليلة" و"باب من أبواب الخير"، وداعياً إياهم إلى استحضار النية الصالحة والإخلاص في كل ما يقدمونه. كما كان يثني على دور القادة الكشفيين الذين يُعِدّون الشباب لهذه المهام العظيمة، ويرى فيهم مدرسة للتربية الوطنية والإنسانية.
ولم تكن هذه الكلمات مجرد عبارات عابرة، بل تحولت إلى نهج متوارث بين أجيال الكشافة، حيث ظلوا يستحضرون توجيهاته في كل موسم حج، ويرون في دعائه وتشجيعه دافعاً لمضاعفة البذل والعطاء. فقد كان يذكّرهم دائماً بأن خدمة الحجاج شرف عظيم ومسؤولية كبرى، وأن الوقوف إلى جانب ضيوف بيت الله الحرام صورة مشرّفة من صور العمل التطوعي الذي يحبه الله ويرضاه.
وبهذا، لم يكن سماحة المفتي عالماً فحسب، بل كان مُلهِماً وداعماً لمشاريع وطنية وإنسانية امتزج فيها العلم بالعمل، والنصيحة بالممارسة، فأصبح حضوره في لقاءات الكشافة جزءاً من ذاكرة العمل التطوعي في المملكة.
لقد فقدت المملكة والعالم الإسلامي برحيله قامة علمية سامقة وصوتاً صادقاً في الدعوة والفتوى والإرشاد، فيما ستبقى مواقفه مع الكشافة، وكلماته لهم، شاهداً حياً على رؤيته العميقة لأهمية إشراك الشباب في خدمة دينهم ووطنهم وضيوف الرحمن.
رحم الله سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، إنا لله وإنا إليه راجعون.

