

النهار
بقلم - محمد الفايز
المناصب الإدارية تمنح أصحابها سلطة القرار وصوت التأثير، لكنها لا تمنحهم بالضرورة عمق الفكر ولا رجاحة المنطق. فالمنصب، مهما علا، لا يستطيع أن يخفي العيوب التي تفضح صاحبها وتسقط عنه هالة الهيبة. بل على العكس، كلما ارتفع المنصب ازدادت المسؤولية والأمانة، وأصبحت الأخطاء الصغيرة مضاعفة في نظر الناس والمرؤوسين، وأقل ما يُقال حينها: «خلِّ الطابق مستور».
سطحية التفكير هي أول ما يفضح المدير غير الكفء؛ فالمدير الذي ينظر إلى القضايا بنظرة ضيقة، ويعتمد على حلول مؤقتة لا تعالج جذور المشكلات، يجرّ مؤسسته إلى أزمات متكررة. العمل الإداري يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى ووعي بما وراء التفاصيل، لا إلى تكرار حلول مسكّنة تعالج العرض وتترك الداء.
أما تصديق الوشاة فهو آفة لا تقل خطورة. المدير الذي يفتح أذنه للناقلين والساعين بالفتنة، يقتل الإبداع ويقضي على روح الفريق. ففي بيئة يسودها القيل والقال يضيع الحق بين دهاء الحاقدين وغفلة المسؤول، ويصبح الولاء للكلمة المنقولة لا للعمل المنجز.
ويضاف إلى ذلك الهوس بالمظاهر؛ مكاتب فاخرة، تقارير مزخرفة، وألقاب رنانة، بينما النتائج الفعلية غائبة. المظاهر قد تصنع إعجابًا عابرًا، لكنها لا تصنع احترامًا حقيقيًا. العاملون يعرفون سريعًا الفرق بين مدير يطارد الكاميرات وآخر ينشغل بصناعة الإنجاز.
وأخطر ما يكشف هشاشة المدير هو ضعف المنطق؛ فالقرارات المرتبكة، والتبريرات الواهية، واللغة المليئة بالتناقضات، كلها تسقط الهيبة وتثير السخرية. المدير الحقيقي هو عقل المؤسسة ولسانها، فإذا تحولت قراراته إلى عبثية أو ارتجال، انهارت الثقة قبل أن ينهار الكرسي.
الإدارة ليست وجاهة ولا استعراضًا، بل مسؤولية تقوم على الحكمة والعدل ورجاحة العقل. والمدير الناجح هو من يبني الثقة، يخلق بيئة شفافة، ويقدّم منطقًا رصينًا يسبق كل قرار.
التاريخ لا يكتب أسماء من شغلوا المناصب الفارغة، بل يخلّد من جمع بين الإدارة والحكمة، بين المظهر والجوهر. هؤلاء هم الذين يتركون أثرًا لا يُمحى، وتبقى سيرتهم قدوة حتى بعد أن يغادروا مكاتبهم.

