

أحمد سليمان النجار
جعلوني مُديراً ..!!
لعل من الأمور التي تضرب - وفي مقتل - صدق نظرية (النشوء والارتقاء ) التي ذكرها الشيخ ( تشارلز عبدالخالق داروين ) في كتابه الشهير ( أصل الأنواع ) , هو عدم ظهور سلالة من المدراء لهم عشر أعين وعشر آذان وعشر أيدي وعشرة ألسنة .!!
على مدى حياتي الوظيفية عُرِضَ علي تولي مواقع إدارية , وكنتُ أعتذرُ وأقول : بعض المواقع - ومنها الإدارة - بابٌ ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب ..!!
فأنا أعلم - يقيناً - أن الإدارة جزء من الإمارة والإمارة سلطة والسلطة -غالباً -ماتكون مُفسدة .., وأن الإدارة مثلها مثل الإمارة التي وصفها - صلى الله عليه وسلم - بقوله :( نعم المُرضعة وبئست الفاطمة ) , وأن المنصب ليس تشريفاً بل هو تكليف , وتكليف ثقيل للغاية , وأنه حملٌ بدني وعقلي وعصبي وتحدٍ يحتاج لكسبه لأدوات وقدرات ومهارات خاصة , وعلى الحقيقة لم يكن ذلك سبب اعتذاري - وإن كان سبباً كافياً - لكن السبب الحقيقي هو عشقي لموقعي وماأقدم من خلاله من مهام تفوق بمراحل - في نظري على الأقل - أهمية مايقدمه أي شخص في أي موقع في الأرض ..!!
ولكن ولأن موقعي الذي ذكرت أني أعتز به كثيراً , تؤثر الإدارة فيه بشكل مباشر- سلباً أو إيجاباً - باتت عندي رؤية إدارية خاصة , تنطلق من تعريف
الأستاذ أبو إدارة ( فريدريك عبدالصبور تايلور ) للإدارة حيث قال عن الإدارة :
هي القيام بتحديد ما هو مطلوب عمله من العاملين بالشكل الصحيح، ثم التأكد من أنهم يؤدون ماهو مطلوب منهم بأقل التكاليف وأفضل الطرق ..
وهذا التعريف نُعيد صياغته فنقول :
هو معرفة المدير ماهو مطلوب منه عمله بالشكل الصحيح , ثم التأكد بأنه يؤدي المطلوب منه بأقل التكاليف وأفضل الطرق ..
وهذه الصياغة ستُنبتُ للمدير جناحين اثنين يستطيع بهما التحليق عالياً في عمله نحو الابداع والتميز والجودة , وهذان الجناحان هما :
🪽حُبُ مايعمل :
لن يتمكن أي شخص من الابداع في عملٍ ما مالم يُحبه , ولن يُحبه مالم يقتنع به , ولن يقتنع به مالم يفهمه ويؤمن به , ولن يفهمه ويؤمن به مالم يكن مشاركاً فعلياً في عملية صناعة القرار حسب موقعه في الميدان ..
ولو اسثنينا من حديثنا الفارغين ممن قفزوا على مواقع إدارية ( بالواسطة ) حيث المعيار فيها – وللأسف – من تعرف وليس ماتعرف , فهم فاقدوا شيء ولايُنتظر منهم إعطاءه بالتأكيد .. , وأصحاب العلل النفسية الذين جذبتهم إغراءات السلطة ليمارسوا التسلط المرضي على الآخرين عبر مواقعهم الإدارية .. , والهاربين الرماديين بالتأكيد ..!!
وسنتحدث عمن اختاروا العمل الإداري لأنهم يشعرون أنهم إضافة له , وليس هو الإضافة لهم , وأنهم سيرتقون به إلى أماكن عالية ومميزة , فهذه الفئة – بالفعل – لايستطيعون عمل – بشكل مثالي على الأقل – أمرٍ لايحبوه , وعدم حبهم له يُعيدنا للسلسلة أعلاه :
الفهم والاقتناع والإيمان , والمشاركة الفعلية في قراراته بالتأكيد ..
أما أن تضع شخصاً في موقع المسؤولية وتُكلفه فقط بتنفيذ مايُملى عليه من خارج الميدان , فأنت في ذلك – ومهما أعطيته من عصوات – جمع عصا – وجزرات – جمع برتقالة – ليمارس نظرية العصا والجزرة المشهورة – فأنت ستحكم عليه بالفشل بلا شك , وسيبدأ أصحاب القدرات الإدارية الحقيقة بالتسرب من العمل الإداري , لأنهم – ومهما أغريناهم بالبقاء – لن يحتملوا الضغط العصبي والنفسي الذي سيقعون فيه - وقد لايبقى في المجال إلا ( الخبل المتوصي ) الذي سيكون مثله مثل الغفير الذي كنا نشاهده في بعض المسلسلات العربية , بندقيته على كتفه ويصول ويصرخ على الجميع :
( هااااااااع مين هناااااك ؟!! ) ,
وحتى هذا سيكتشف بعد فترة أن العصا لن تُجدي نفعاً وستعود عليه أكثر من العاملين معه , وقد يتحول إلى الجزرة بأسوأ صورها , ليتحول مع الوقت إلى ( Staff sitter ) ..!!
لأنه فاقد لمهارة التوازن , فهو ليس مهيأ أبداً لهذا المكان ..!!
🪽أما الجناح الثاني :
هو جناح الفريق الذين يعمل معهم المدير , ويرتبط نجاحه بنجاحهم , فهذا الفريق لن يصل أي مدير مهما بلغت قوته , ولو كان مُديراً مُنتدباً من ( The Avengers ) – لنقل الرجل الأخضر مثلاً - لن يصل أي مدير لكامل تعاون فريقه ومبادرتهم وتفانيهم وإخلاصهم , مالم يعتمد معهم مبدأ الإدارة بالحب حقيقة وليس مشاعر مزيفة .., وهنا يظهر المدير الحقيقي المتمكن المُقتدر المتزن الناجح , الذي يستبدل مانسميه ( سيف الحياء ) بالعصا المزعومة , والمشاعر الصادقة والمواقف النبيلة والتفهم والتقدير والاحترام مع فريقه بالجزرة , وبالتأكيد سيحتاج إلى نفس السلسلة التي ذكرناها في الجناح الأول ، وللأسف أن الإدارة بالحب – بعكس الإدارة بالهيامة* - ليس لها منهج محدد ولا استراتيجيات معينة , بل هي حب حقيقي للفريق , يستشعره الفريق ويقدره كثيراً , حتى وإن ظهر من يستغل هذا الحب من الفريق , سيقف باقي الفريق في وجهه قبل المدير ..!!
*الهيامة :
اسم يُطلق على سلوك يعتمد على الصوت العالي والمبادرة للشدة ونفخة الصدر الكاذبة , مع نظرات حادة , ومقابلة جافة ، وهو مما يشترك فيه المذكر والمؤنث فيقال : مدير أهيم ومديرة أهيم ( برضه ) 😁..!!
💡من أجمل الكتب التي قرأتها وتتناول جانباً حيوياً في الإدارة , كتاب :
دروس في الإدارة من غرفة الطوارئ للدكتور بول اويرباخ ·
أحمد سليمان النجار

