أحمد سليمان النجار 

١١:٥٤ م-٢٦ نوفمبر-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ١١:٥٤ م-٢٦ نوفمبر-٢٠٢٤       19250

بقلم - أحمد سليمان النجار

قامتْ الصلاة ، فكان رأيه أن يُقَدِمَ الرجلَ الذي معه ليؤمه في الصلاة، وقرأ الرجل - بعد الفاتحة - {والسماء والطارق}، فقال المأموم بصوتٍ عالٍ : 

سبحان الله ..!!

فأعاد الإمام القراءة لنفس الآية ، بتركيز أكثر ودون أي لَحنِ وخطأ ، فأعاد المأموم قوله : 

سبحان الله ..!!

ومرة تلو مرة ، ونفس السَبحَلَةِ ، فقرر الإمام أن يلتزم الصمت ، ليمنح المأموم فرصةً لتعديل خطأ قراءته، فقال المأموم : 

{والسماء ذات البروج} ..!!

(كان يبغاه يقرأ على كيفه ..!!) 😁

📌كثيرون يختلفون معي - وقد يصل الأمر ( لبونيات ورُكَب ) - عندما أُصِرُ على قولي : إن الحرية ليست في الفعل، بل هي في الرأي ، أي في العملية التي تسبق إتخاذ القرار والعزم عليه، فالإنسان حُرٌ في تفكيره، وبالتالي حرٌ في رأيه، وينشأ عن ذلك الرأي قرار، ثم فِعلٌ يُترجِمُ هذا القرار..

ولكنه عندما يتخذ القرار ويعزم عليه - وحتى لو لم يقم به - فحريته تُصبحُ مُقيدةً محدودة مُنضبطة..

فعلى سبيل المثال، فأصحاب الجنة في سورة القلم، كان رأيهم أن المساكين لاحق لهم في خيرات أرضهم بعد وفاة أبيهم، ففي مرحلة التفكير والرأي، لم يؤاخذهم الله - جل جلاله - على تفكيرهم ورأيهم، ولا على القرار الذي قرروه، ولكن عندما وصلوا لمرحلة العزم والقسم على التنفيذ، عاقبهم الله عقوبة موجعة، فخسروا كل شيء، مع أنهم لم يتمكنوا من تنفيذ القرار ..!!

وحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الذي رواه البخاري ، من حديث الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه - صريحٌ وواضح :(إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )

وإن قال قائل : مانفعل بقوله تعالى في سورة البقرة :

{ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ } ؟!!

والتوفيق بين النصين -كما قال بعض المُفسرين - في أن ذلك مختص بأعمال القلوب الخفية ، كالكبر والرياء والنفاق ..وغير ذلك ..

 

📌وأعود للقول :

التفكير وكل مستلزماته ، هي منطقة مفتوحة لايأثم فيها الإنسان ، ولكنه يأثم عندما يعزم أو يفعل أو يتكلم ..!!

وهنا تكمن الحرية المُطلقة ، والتي تجلت في قوله تعالى :

{ لا إكراه فى الدين } وقوله تعالى : { وهديناه النجدين } وقوله تعالى : 

{ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } ..

فكل هذه الآيات ، إنما هي متعلقة بماقبل إتخاذ القرار ، أي في مرحلة التفكير ، فالإنسان حرٌ حرية مطلقة في اختياراته ، والتي سيُحاسبُ عليها -سلباً أو إيجاباً - إن هو نقلها من مرحلة التفكير الذهني الواسعة المفتوحة إلى منطقة التنفيذ المُقيدة بأنظمة وشروط ..!!

فهو حرٌ في اختيار الإسلام -مثلاً - كدين يعتنقه ، ولكن إن قرر أن يدخل في هذا الدين ، فهنا تبدأ حريته في التقلص ، ويكون مُلزماً بتطبيق شرائع الإسلام واتباع أنظمته والالتزام بواجباته والابتعاد عن نواهيه ، لأن حريته جزء من حريات من معه في هذا الدين ، والذي يراعي الدين مصالحهم كافة وليس مصلحته هو فقط ..

📌هذا في أعظم شيء، وهو الدين، ولو قسنا على أقل من ذلك ، لوجدنا أن الإنسان لو كان يُفكرُ مثلاً في أن يفعل أي فعلٍ في مكان عام ، فلن يتحدث معه أحدُ - مهما كان نوع الفعل الذي يفكر في فعله - ولكن متى يبدأ الموجودون حوله في مؤاخذته والاصطدام معه ؟ ، عندما يُنفذُ هذا التفكير ، فيمارس الفعل ، وذلك لأن حريته -هنا -بدأت تتقاطع مع حريات الآخرين ، فوجب عليه أن يُقيد حريته لتناسب المساحة المتاحة له دون ضرر ولا ضِرار ..

 

📌وهذا المنطق عندما نطبقه على التربية نقول :

الحرية مبدأ تربوي هام ، وغرسها في نفوس النشء أمر ضروري للغاية ، وللأسف أن ذئاب الإفساد المُمنهج ، عندما أرادوا أن يوجهوا النشء نحو تحويلهم إلى كائنات مُسًيرة لتحقيق أهدافهم دون أي إرادة منهم ، دخلوا لهم من باب الحرية المُطلقة ، ليس في الفكر والرأي ، بل في الفعل ، فنسفوا كل الحدود ، وصوروا لهم أنهم أحرار يفعلون مايشتهون دون قيد ولاشرط ، وأن كل من يفكر في منعهم أو تقييد حريتهم ، من دين أو مُربٍ أو حتى قانون ، فهو عدو مُبين ، وعصيانه والتمرد عليه ، هو تمام الحرية ..!!

أما الحرية الفكرية فهم -حرفياً - قد نجحوا عبر جهد مكثف في سلبهم إياها وتشويهها دون أن يشعر النشء بذلك ، فباتوا يظنون أن أرادة المُفسدين هي إرادتهم ..!!

 

📌وهنا تأتي أهمية ماأتحدث عنه ، فلنعلم اولادنا ، ذكوراً وإناثاً ، أن حريتهم الفكرية قد كفلها لهم الإسلام ، بل وحثهم على إعمال الفكر دون حد ، وماأكثر عبارة ( أفلا ينظرون ) ( أفلايتفكرون ) ( أفلا يتدبرون ) في القرآن الكريم ..!!

 

📌ولكن عندما تتخذ القرار وتبدأ في العزم أو التنفيذ ، فأنت هنا مُلزمٌ باتباع سنن الإسلام ونظامه وقوانينه ، وقس على ذلك في كل شيء دون ذلك من أمور الدنيا ..

 

📌فكراً ، لهم منا الحوار والمناقشة والاقناع ، بكل الطرق والوسائل الممكنة ، أما تنفيذاً ، فالحرية مُقيدة محدودة ..

 

📌فلكل عمل عند تنفيذه قواعد وقوانين ونظام ، لابد من الالتزام بها لإتمام تنفيذه ، أن تقرر أن تنفذه أو لاتنفذه هذا مبحث فكري أنت حرٌ فيه ، ولكن إن قررت فأنت ملزمٌ بالاتباع ..

 

📌حتى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكي يعلم أمته أهمية احترام القرار بعد إتخاذه وتجاوز المنطقة الفكرية ، رفض أن يخلع درعه في معركة أحد ، بعد أن عاد الصحابة لتخييره بين الخروج للقتال أو البقاء في المدينة ، في القصة المشهورة ..

 

📌لنعلم أولادنا أننا لسنا أحراراً - بمعني الحرية المُطلقة - عند العمل ، ولسنا أحراراً عندما تتقاطع حرياتنا مع الآخرين ، ولسنا أحراراً في أن نلتزم بديننا الذي قبلنا به ، ولسنا أحراراً في ترك الدفاع والذود عن وطننا العظيم ، ولسنا أحراراً في القواعد - كقواعد اللغة مثلاً - فالأصوب في العنوان أن يكون 

( وجهة نظر وليس نضر )😁

 وماخلا ذلك فنقول لهم كما قيل لعنترة :

في الفِكر ، كُر فأنت حُر ..

كذاك الذي صلى خلف الإمام في أول المقال ، ليس حراً في اختيار ماسيقرأه الإمام في صلاته من سور القرآن الكريم..!!