اللواء ركن م -حسين محمد معلوي
غزة.. والضمير العالمي
انشغل العالم منذُ شهرين بحرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزه حيث كانت اسرائيل وداعميها يخططون الى تهجير سكان غزه إلى مصر وسكان الضفة الغربيه الى الأردن وتصفية القضية الفلسطينيه حضارةً وشعباً وارضاً وتاريخاً . يقول تحالف اسرائيل وامريكا وأوروبا إن هجوم المقاومة الفلسطنيه يوم السابع من اكتوبر ٢٠٢٣م على منطقة غلاف غزه الاسرائيليه واسرهم لأعداد كبيرة من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين كان الشراره التي اشعلت الحرب ، فيرد عليهم الفلسطنيون وقادة الدول العربية والإسلاميه والدول الصديقه والأمم المتحده بأن سبب الصراع هو تراكم رفض اسرائيل وداعميها من الدول الغربيه وعلى راسها امريكا وبريطانيا لإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وعدم تنفيذ القرارات الدوليه ذات الصله ، وأن سبب الصراع الرئيسي هو اضطهاد وتشريد الشعب الفلسطيني منذُ ( ٧٥ ) عام وحرمانه من حقوقه المشروعة الى اليوم ، وأن هجوم المقاومة الفلسطينيه واهالي غزه على اسرائيل هو نتيجة لتراكمات البؤس والشقاء والسحق العاطفي والبدني والإهانه والاذلال والحرمان والتعدي على المسجد الأقصى واطلاق يد قطعان المستوطنين بعد تسليحهم لقتل الفلسطينيين في الضفة الغربيه وللعبث في الأماكن المقدسة وتهويدها ، ونشر وتوسيع المستوطنات وعدم الوفاء بالاتفاقيات المبرمه وكل ذلك نتيجة للغطرسة الصهيونيه على مدار سبعة عقود والتي يرفضها كثير من حاخامات اليهود الكبار واتباعهم الذين يقولون بأن الصهيونية عدو لليهود كما لغيرهم وان إقامة دولة اسرائيل مخالف لما ورد في التوراه من أوامر الرب ، وهنا نشير الى ما قاله أحد المفكرين الأمريكيين الكبار حيث أوضح قائلا {{ إن هذه ليست حرب متكافئه لأن الفلسطينيين لا يملكون مدافع ولا طائرات ولا انظمة دفاع جوي ولا مدرعات ، ثم تابع قائلاً " ان الإباده ليست بسبب ما قامت به المقاومه في السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ م ، وليست بسبب اطلاق الصواريخ من غزه ولا بسبب الرغبه في تحقيق السلام بل هو مخطط مرسوم منذُ مدة وزمن طويل لأن القرار الإسرائيلي هو تنفيذ سيادة الموت والدمار والهلاك باستخدام الأسلحة الفتاكة والمميته على اهداف فلسطينيه مدنيه غير محميه للقضاء على الفلسطينيين ووجودهم ، وأن هذه هي المرحلة النهائيه لخطط التطهير العرقي للفلسطينيين المستمر منذُ عقود بدعم من الحكومة الأمريكيه التي اتهمها المفكر بالنفاق واللاانسانيه }} .
يتضح من تقييم المحلليين والمراقبين لنتائج هذه الحرب انهم قالوا " لقد خسرت اسرائيل من عدوانها على غزه الكثير لأن من أهم نتائج حربها العنصريه أنها جذرت حقد وكراهية الشعوب ضدها وولَّدَت مواقف دوليه معادية لها ومنها رفض دول وشعوب العالم لما قامت به اسرائيل من حرب اباده بدليل مظاهرات واشنطن ولندن وباريس ومدريد وبروكسل وجاكرتا وغيرها من المدن في اوروبا وامريكا وافريقيا واسيا واستراليا . لقد أدت هذه الحرب الى سقوط الدعيات الصهيونيه التي جذرتها اسرائيل والغرب خلال العقود الماضيه في أذهان الدول والشعوب بأن اسرائيل واحة الحرية والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها مستهدفه وسط غابة من حيوانات على شكل بشر كما وصفهم كل من رئيس وزراء اسرائيل "بنيامين نتنياهو" ووزير دفاعه " يوآف غالانت " ، كذلك فإن من نتائج حرب الإباده الإسرائيليه على اهالي قطاع غزه انه تم سحب سفراء وتجميد وقطع العلاقات بين اسرائيل ودول اخرى ، وإحداث انقسام بين الاسرائيليين انفسهم على مستوى النخب القياديه والشعبيه . اضافة الى الخسائر السياسية والاقتصادية والعسكرية والسياحية الكبيره والتي ستؤدي في حال استمرار الحرب الى انهيار في الإقتصاد الإسرائيلي الذي يترنح حاليا لولا الدعم الأمريكي ، ومن النتائج ايضاً فقدان المجتمع الدولي للثقة والمصداقيه في حكومة اسرائيل ورئيس وزرائها وظهور شبه عزلة دولية عليها وسقوط هيبتها السياسيه والعسكرية وقوة ردعها وهيمنتها المزعومه .
اما الفلسطينيون فقد خسروا اكثر من (٥٠) الف غزاوي من الضحايا والمصابين ودمرت غزه وبنيتها التحتيه على رؤس ساكنيها وتم خنق أهل غزه بالحصار الكامل حيث حرموا من الماء والغذاء والكهرباء والدواء والوقود وهُجِّرُوا قسراً من الشمال الى الجنوب ولكنهم في المقابل كسبوا تعاطف الرأي العام العالمي على المستوى الرسمي والشعبي وعادت القضية الفلسطينيه الى الواجهه بعد النسيان واعادت لحمة الشعب الفلسطيني بكل شرائحه وتم فك اسر كثير من الفلسطنيين من سجون الإحتلال الاسرائيلي واجبار اسرائيل على اخلاء مستوطناتها في الشمال والجنوب وتحمل تكلفة نقل سكان هذه المستوطنات واسكانهم وغذائهم ودوائهم اضافة الى كسر هيبة اسرائيل بالهجمات الصاروخية على مدنها واجبار الاسرائيليين على النزول الى الملاجئ ، ومن مكاسب الفلسطينيون أن العالم دولاً وشعوباً جدد المطالبة بحل الدولتين وايقاف المستوطنات الإسرائيليه ، ومن النتائج الإيجابية للفلسطينيين وخاصة المقاومون منهم في غزه اكتشافهم لزيف الدعايات الإيرانيه وكذب ايران واذنابها في ما يسمى بحلف المقاومه وانه وهمي بالفعل وهم الذين يدعون بوحدة الساحات وفتح الجبهات . إن من الملفت للمراقبين والمحللين كذلك انه رغم كل مساوئ حرب الإبادة في غزه واخطارها فإن القيادات الفلسطنيه لم تتحد كما اتحد الشعب الفلسطيني ، وكما اتحد الشعب الإسرائيلي وقياداته التي شكلت حكومة طوارئ في زمن الحرب !! . يرى المراقبون بأن الدول العربية والاسلاميه قد اتحدت في مواقفها الرسميه والشعبيه والتي اتضحت في مؤتمر القمة العربية الإسلامية المنعقد بالرياض بتاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023م بمبادرة سعوديه لإغاثة غزة وفلسطين وكان من نتائجها تشكيل لجنة من (٨) اعضاء يرأسها وزير الخارجيه السعودي الأمير فيصل بن فرحان ال سعود تطوف العواصم الدوليه المؤثره لارغام اسرائيل وامريكا على وقف اطلاق النار وقد اجتمعت مع الأمين العام للأمم المتحده السيد " انطونيو غوتيريش " وحضرت اللجنه اجتماع مجلس الأمن لمناقشة القضية الفلسطينيه بتاريخ ( ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣م ) ، أما على المستوى الشعبي العربي والاسلامي فقد كانت المواقف متطابقة وترفض حرب الابادة والتهجير ضد اهالي غزه وتدعوا الى ايجاد دولة فلسطينيه مستقله عاصمتها القدس الشرقيه وقابلة للحياه .
اما على المستوى الدولي فقد انطلقت دعوات قويه من عواصم الدول الكبرى والعواصم المؤثره في كل القارات تدعو لحل الدولتين ووقف المذابح في غزه وأن اسرائيل لن تنعم بالأمن الا من خلال حل الدولتين ، وهذا ما دعت اليه مرجعية مدريد والمبادرة العربيه " الأرض مقابل السلام " التي قادتها السعوديه واعتمدت في مؤتمر القمه العربيه المنعقد في بيروت عام (٢٠٠٢ م ) واشار اليها وزير الخارجيه السعودي الذي يرأس اللجنة العربيه الاسلاميه لشرح قرارات مؤتمر القمه العربيه الاسلاميه اثناء القاء كلمته امام مجلس الأمن الدولي الذي انعقد بتاريخ ( ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣ م ) وكذلك فعل اعضاء اللجنه الآخرين .
يرى المحللون أن ادارة الرئيس الأمريكي .. " بايدن " بمواقفها اللا انسانيه بشأن حرب الابادة في غزه ورفضها لوقف اطلاق النار باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن "حتى كتابة هذا المقال"ودعمها لإسرائيل بالمال والسلاح والذخائر القاتله والمطوره قد خسرت الرأي العام والرسمي العربي والاسلامي والعالمي وشككت بل وأيدت مواقف الصين وروسيا وغيرها من الدول في عدم صلاحية امريكا لقيادة النظام العالمي القائم حالياً ، وخسرت "ادارة بايدن " كذلك كثير من اصوات الشعب الأمريكي المحتمل تأييدها للرئيس بايدن في الإنتخابات القادمه ، وادت مواقفها ايضاً الى تمرد واحتجاجات وتذمر كثير من اعضاء الاداره والحزب الديمقراطي المنقسم والكونقرس الأمريكي ووزارة الخارجيه وموظفي الحكومة الأمريكيه المحتجين على موقف الادارة الأعمى لتاييد اسرائيل رغم المجازر التي ترتكبها في غزه ورغم المظاهرات الرافضه لسياسة بايدن من الشعب الأمريكي في واشنطن وكثير من المدن الأمريكيه . إن السؤآل الذي يفرض نفسه هو " لقد حكمت اسرائيل على غزة بالاعدام فهل ينقذها العرب والمسلمون والضمير العالمي ؟. " سنرى ما سيكتبه التاريخ !!يقول الشاعر التونسي الشهير ابو القاسم الشابي رحمه الله { إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ / فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدَرْ
ولا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي / وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر } .. إن شرفاء الشعب الفلسطيني بسيرون على الطريق الصحيح …
اللواء الركن متقاعد
حسين محمد معلوي