

اللواء ركن م -حسين محمد معلوي
يلاحظ المراقبون المتابعون لمسيرة الأحداث في السودان الشقيق منذُ استقلاله في الأول من شهر يناير من العام ” ١٩٥٦ م “وحتى وقتنا الحاضر، أن هذا البلد العربي العملاق بشعبه وإرثه الاجتماعي وتراثه وثرواته وثقافاته وأرضه ومياه نيله وحضاراته قد حُرِمَ من الاستقرار السياسي والإقتصادي ولم يُمَكِّنْ الإستعمار القديم والجديد وعملاؤه وميليشياته شعب السودان من الإنطلاق للبناء في مجالات التنمية المختلفه ، لأن هذا البلد لو استقر سياسيا واقتصادياً تحت ادارة قيادة وطنية رشيدة وحكيمة وواعيه لقفز الى مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات . يقول المحللون بأن هناك عدة عوامل أدت الى ما آلت اليه اوضاع السودان في وقتنا الحالي والعامل الأول هي سياسات الدول الغربية التي تضع العصي في الدواليب وترفض أن ينطلق اي بلد عربي على مسار التنمية لتحقيق التقدم والرقي المؤمل للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة ومن باب أولى السودان العربي لمؤهلاته الاقتصادية والعلمية ولكبر مساحته الجغرافية وكنوز أرضه التي لو استثمرت دون تدخلات لجعلته دولة قوية وعملاقة في كل المجالات . أما العامل الثاني لمعاناة السودان فهو بسبب وجود أحزاب سياسية ذات عقائد ورؤى سياسية واقتصادية ودينية مختلفة متناحرة ، فهناك أحزاب إسلامية وشيوعية وعلمانية وليبرالية وعرقية متعددة ومختلفة في عقائدها وسياساتها ونهجها وخططها وطموحاتها ، بل ان المتابع يجد أن هناك عدد من الأجنحة المختلفة داخل الحزب الواحد ما بين متطرف يميني ووسطي وليبرالي ومن المثير أن من بين هذه الأحزاب أحزاب ليس لها قاعدة شعبية وتريد حكم السودان بالعافيه كما يقول اخواننا المصريون . إن العامل الثالث لنكبات السودان تمثله الحروب الأهليه على مدار عقود مضت والتي أدت إلى هجرة العقول العلمية والفنية وظهور تنظيمات مسلحة بمسميات مختلفة وكلها تدعي انها حركات تحرر وأن نهجها النضال وهدفها تحرير السودان وكأنه لا يزال تحت سيطرة الإستعمار العسكرية (!!) ، وقد أدت هذه الحروب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من جهة ( قبل اقتتال هما في الحرب الحالية ) وبين الحركات المسلحة إلى انفصال جنوب السودان تحت مسمى جمهورية جنوب السودان بسبب سياسات الأحزاب السودانية وانقساماتها وبسبب اهمال الحكومات السودانية المتعاقبة خطط النهوض تنموياً بجنوب السودان في كل المجالات ، ومع ذلك لم يستفيد ساسة السودان من تجارب الانفصال السابقة ومنع تكرار أسبابها في أقاليم أخرى .. حيث يجري الآن محاولات تنفيذ خطط يدعمها الغرب واسرائيل ودول مجاورة لانفصال إقليم دارفور وانفصال إقليم كردفان وإقليم شرق السودان والنوبه ، بمعنى تقسيم السودان وغيره من الدول العربيه الى عدة دويلات تنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد .
أما العامل الرابع فهو يتمثل في اطماع الدول المجاورة للسودان لاقتطاع أجزاء منه بعد إضعافه بعدم الاستقرار السياسي والإقتصادي والحروب الأهلية وضم ما يقتطع من اراضي السودان الى هذه الدولة او تلك تحت عناوين وأطماع تاريخية كما تدعي إثيوبيا على سبيل المثال ، في حين أن العامل الخامس كما يقول اهل السودان يتمثل في استهتار ولا مبالاة القيادات السياسية والعسكرية والحزبية والنخب الاجتماعية السودانية وعدم استشعارها للأخطار المحدقة بالسودان حيث لاهم لها الا تحقيق مصالحها الحزبية أو الشخصية او مصالح الدول التي ترتمي هذه الأحزاب أو هذه الشخصيات والقيادات في أحضانها لتحقيق مصالحها بطرق المتاجرة بالسودان وأهله وهذه هي الخيانة المستترة المتسترة للوطن السوداني تحت شعارات براقة وكاذبة والشعب السوداني منها براء كتلك السياسات التي تدعو الى فصل وإبعاد السودان عن قيمه ومبادئه وشريعته الإسلامية موروثاته الحضارية وعروبته .
اما العامل السادس فيتمثل في استمرار الانقلابات العسكريه منذُ ايام الجنرال إبراهيم عبود و الرئيس اسماعيل الأزهري وحتى يومنا هذا والمعروف أنه عندما يحكم العسكر في اي بلد فإنه لا مكان للحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة والتنمية وفي المقابل اشتهر من حكم السودان من المدنيين بالفساد والرخاوة في الأداء وعدم الحزم والعزم ، بل ان بعض من حكموا السودان من المدنيين صبغوا فترة حكمهم بألوان تقديسه وطرق صوفية مثل السمانية والختميه والأصولية المهدية …الخ . أما أوضاع السودان اليوم فقد ساقه جنرالين سائلين الى طريق الهلاك وكلاً منهما يقاتل من أجل السلطة ومصالحه الشخصية فقط وليس من اجل السودان أرضاً وشعباً . إن ما يقوم به قائد الجيش السوداني الجنرال ( الفريق اول ) عبدالفتاح البرهان ونائبه الجنرال ( التاجر اصلاً ) محمد حمدان دقلوا الملقب باسم ( حميدتي ) هو تدمير للسودان سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتنموياً وثقافياً وعسكرياً ، وهنا يتساءل المحللون عن النتائج التي تحققت بسبب حرب الجنرالين الصائلين التي يهدف بها كل منهما إلى إلغاء الآخر وإدخاله السجن واعدامه إذا لم يتمكن منه في الميدان من أجل الاستئثار بالحكم والثروة ..؟. ليكون الجواب إن النتيجة هي خراب السودان وتدمير كل مقدراته وقدراته . يقول كثير من المحللين أن السبب في الحرب الحاليه هو خطأ قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان الذي يتبوأ منصب رئيس مجلس السيادة السوداني ( رأس الدولة ) أي رئيس الجمهوريه وهذا يعني أن البرهان هو القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة بما فيها قوات الدعم السريع الذي يتبوأ منصب قيادتها الجنرال محمد حمدان اوقلو "حميدتي " ويحتل كذلك منصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وفقاً لمرسوم اصدره البرهان نفسه الذي يريد الغاء وحل قوات الدعم السريع وضم من تنطبق عليه الشروط الى القوات المسلحة وتسريح من ليس مؤهل رغم علمه بأنها تحمل صفة الوجود الشرعي بموجب مرسوم من رئيس الجمهورية السابق عمر حسن البشير وتأييد من مجلس الشورى السوداني في زمن البشير وبالتالي فهذه القوات تحمل الصفة الشرعية وقد تم استخدامها في قتال المتمردين في دارفور وغيرها وانجزت المهام الموكولة إليها . أما الخطأ الثاني الذي ارتكبه البرهان فهو تلكؤه بعد انقلابه على البشير في تنظيم انتخابات دستورية لا تصغي احداً يتم بموجبها تسليم السلطة لمن ينتخبه الشعب واعادة الجيش والدعم السريع الى ثكناتهم وترك كافة الأمور الخلافية لا تسويات وقرارات الحكومة الشرعية المنتخبة والمدعومة من الشعب السوداني وسلطتها القضائية والتشريعية ، وبسبب عدم السير في الطريق السياسي الصحيح فإن فريق من المحللين يرى أن البرهان وقيادة الجيش يريدون استمرار الحرب لاستمرار حكمها بدليل أنهم لم يقومون بإغلاق الحدود وإعلان حالة الطوارئ وإعلان حكومة طوارئ وطنية لمعالجة كافة انواع السودان أما قوات التدخل السريع قائدهم "حميدتي " ليس جنرالاً في الأصل بل هو تاجر استولى على مناجم الذهب واليورانيوم في السودان ويقوم ببيعها على شركات أجنبية حتى جمع ثروة طائلة ينفق منها على طموحاته وجيشه المسمى قوات الدعم السريع التي يتكون منسوبيها من العرب الجنجويد والمرتزقة من الدول المجاورة ومن العاطلين عن العمل من أبناء السودان الآخرين .. ويقول المراقبون بأن هناك دول معروفة تدعم قوات الدعم السريع سياسيا واقتصادياً وعسكرياً وهذا يصب في محاولات انجاح تقسيم السودان الى دويلات صغيره تنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط . لقد حاولت السعودية باستخدام ثقلها ومعها دولاً ومنظمات اخرى إيجاد حل للحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ولكن الجنرالين المتقاتلين المعنيين لم يجنحوا للسلم ومصلحة السودان فاستمر القتال الذي يدمر السودان وطناً ومواطنين ،ويشكل خطراً وجودياً على حاضره ومستقبله .
بقلم - اللواء الركن م. حسين محمد معلوي

