اللواء ركن م -حسين محمد معلوي

٠٩:١٨ ص-١٥ ديسمبر-٢٠٢٣

الكاتب : اللواء ركن م -حسين محمد معلوي
التاريخ: ٠٩:١٨ ص-١٥ ديسمبر-٢٠٢٣       26510

بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ


عندما ينظر الإنسان إلى حرب الإبادة الجماعية المخطط لها في قطاع غزه يهتز ضميره من الألم والحزن عندما يرى أولئك الأطفال الذين يخرجهم المسعفون بأيديهم العاريه من تحت الأنقاض وقد يكونون جثث هامده او ان ارواحهم لم تفارق اجسادهم بعد ، أو انه لا يمكن رفع الأنقاض من فوق الأكثرية منهم .
لن انسى اللحظه التي رأيت فيها تلك الطفلة الصغيرة في غزه بعد اخراجها من تحت الأنقاض وقد اختلط والتصق على وجهها البريئ الدم والغبار وهي تحدق بعينيها للحظات بنظرات حائره وتائهة في وجوه البشر الملتفين حولها وهم يصرخون بأصوات عاليه " الله اكبر "وكأني بها تسائل نفسها ماهي القصة ؟ او الحكاية ؟ ، ثم تصرخ ، وهي تبكي ماما بابا وهي لا تعلم انهم تحت الأنقاض مدفونين وانها لن تراهم مرة اخرى . 
وفي ذاكرتي ايضاً ذلك الطفل الذي لايتعدى عمره الأربع سنوات وقد وضع  ممدداً على احد الأسرة الملطخة بالدماء في احد المستشفيات التي تعرضت للقصف وفقدت مقومات الاسعاف والعلاج ، كان الطفل مغبراً  وهادئاً وينظر يمينا ويساراً في من حوله لعله يرى احداً من والديه او اخوته .. وقد شرح شخص ممن يلتفون حوله من المصابين قائلاً ( هذا الطفل هو الوحيد الباقي من أسرته لأنهم استشهدوا جميعاً ) ، وهذا وضع الآلاف من الأطفال ناهيك عن ألوف اخرى من الرجال والنساء و الشباب والشابات الذين دفنوا تحت الأنقاض وهم في ريعان الشباب وبعضهم على موعد خطوبه او زواج ، أو سفر وهنا 
يتساءل المراقبون والمتابعون ، " لماذا لم يوقف العالم مجازر الإباده في غزه لنجد الإجابة لدى المؤرخين والمتابعين عن هذا التساؤل بالقول عن اي عالم نتحدث ؟ .. هل المقصود ذلك العالم الأمريكي الرسمي والشعبي ودوائره الماسونيه واليهوديه الصهيونيه والمسيحيه المتصهينه الذين أبادوا الهنود الحمر و الشعب الفيتنامي والشعب الأفغاني والشعب العراقي والشعب السوري والشعب الفلسطيني ام ان المقصود هو العالم الأوروبي الذي جرت على ارضه مجازر تاريخيه ونظم الحملات الصليبية وما زال على بلاد العرب والمسلمين وبالذات على فلسطين .!! ، اليست رأس الأفعى بريطانيا هي المنتدبه على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى وعندما دخل جنرالها "اللمبي" القدس قال جملته المشهوره " التي سجلها التاريخ " لقد عدنا يا صلاح الدين " .. وسلمت هذه الدولة الإستعماريه فلسطين إلى عصابات "الهاغانا و الأرجون وشتيرن الصهيونيه " وغيرها والتي نفذت مذابح كبيره ضد الفلسطينيين ومنها مذبحة " دير ياسين " ، اما اذا كان المقصود هو ذلك العالم الروسي والصيني الذي اقتلع  الاسلام من بلادهم وسجنوا ملايين المسلمين في مناطق جغرافية منعزله فقط لإنهم مسلمون !! ، فقد اثبت التاريخ مافعله ذلك العالم بالمسلمين في بورما والايقور في الصين والشيشان في روسيا ومسلمي الاتحاد السيوفيتي السابق وما فعله ذلك العالم بالعرب في سوريا عندما هدمت طائرات السوخوي بيوت حمص وحلب وغيرها على رؤوس ساكنيها ، وهنا يتساءل المؤرخون " عن اي عالم يقصد المناشدون ؟" . انه العالم الذي فصَّل مواثيق الأمم المتحدة ومعاهداتها ومجلس الأمن الدولي على مقاساته الاستعمارية فقط التي تكيل بمكيالين بحسب العرق والدين واللون والتبعية والجنس البشري والموقع الجغرافي . انه ذلك الاستعمار الذي لم ينته وما زال يمارس استعماره الإقتصادي والثقافي والتبعي إلى اليوم . إنه الاستعمار الذي يضع من نفسه قاضياً وحكماً وشرطياً والذي حكم وقضى أن لا يرى الآخرين إلى كما يرى ولا يسمعون إلا كما يسمع ولا يتكلمون إلا بما يريد !! فعن اي عالم يستصرخه المستضعفون في غزه وفلسطين . 
ان ذلك العالم الذي يدعي التحضر هو الذي سن قوانين الأمم المتحدة الاستعمارية التي لا تطبق إلا على الضعفاء من الدول والشعوب ، بينما لا يمكن تطبيقها على الأمم الغربية بأي حال من الأحوال . 
ان الغرب وعلى رأسه امريكا التي تدعي كذباً وزوراً وبهتانا بأنها حامية للحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة والمساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرهم هي التي تقف عائقاً لتطبيق المعاهدات والقوانين الدوليه التي تدعيها ، وللدلالة والتدليل على كذبهم رفض امريكا واوروبا لممارسة حق تقرير المصير القانوني العملي والفعلي للفلسطينيين منذُ بداية القرن الماضي وحتى اليوم!!  . اليس الغرب من زرع ودعم  الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين !؟. اليست الدول الغربيه من تجاهلت مساعي الدول العربيه ( المبادرة العربيه التي قادتها السعوديه ) لحل قضية فلسطين !؟ . اليست امريكا من تدعم اسرائيل بلا حدود !؟ . لقد تجلى ذلك الدعم منذُ وعد وزير خارجية بريطانيا "بلفور"  في عام "١٩١٧ م " الذي قال فيه { ان حكومة صاحبة الجلالة تنتظر بعين العطف لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين } والى اليوم يستمر الدعم !! . ان امريكا وبريطانيا وأوروبا هي من اوجد ورعى الظلم التاريخي الذي لحق  بالشعب الفلسطيني حيث احتلوا ارضه وقتلوا وهجروا وشتتوا اهل فلسطين وواصلوا  الدعم لإسرائيل منذُ عقود مروراً بإعلان قيام دولة اسرائيل في فلسطين عام " ١٩٤٨ م " ...
حتى يومنا هذا . لقد تعرض الفلسطينيون خلال ثمانين عاماً للقتل والتهجير والطرد والإبادة واللجوء في الشتات والنظره الدونية والاحتقار وهدم البيوت وسجن الرجال والنساء والأطفال وإنشاء  المستوطنات وتم قتل وهدم بيوت من يقاوم الإحتلال أويطالب  بحقوق هذا الشعب المظلوم ولو بالمقاومة والمظاهرات السلميه . لقد أدَّت التراكمات السلبيه والإضطهاد الذي تعرض له الفلسطينيين إلى الإنفجار الذي حدث  يوم " السابع من  اكتوبر ٢٠٢٣ "م عندما اجتاز اعداد من المقاومين الفلسطينيين سياج الحصار الحدودي ودخلوا ارضهم المسلوبه التي تسمى اسرائيل واحتجزوا عدداً من المحتلين العسكريين والمدنيين و الاجانب لعل العالم يعيد النظر في قضيتهم المنسيه وينفض الغبار من عليها ويعيد مناقشتها على طاولة المفاوضات للوصول الى حل عادل بعد ان تلاعبت بها اسرائيل والغرب والمتاجرون بالقضية في داخل فلسطين وخارجها ، وبدلا من يكون الرد سماع مظلوميتهم والتفاوض مع ممثلي وشرفاء الشعب الفلسطيني كافة إلا ان الرد هو حرب ابادة مدمرة على شريط قطاع غزه الدي يقدر طوله ب "41 كم "، وعرضه من "6 إلى 12 كم "، وتبلغ مساحته الإجمالية " 365 كم٢ " ، حيث نفذت ضده الآف من الغارات الجويه والقيت الآلالف الأطنان على سكان مدنين امنين في بيوتهم بهدف إبادتهم ونزوح ماتبقى إلى خارج غزه ليعيشوا حياة الشتات ونكبة اخرى مماثلة لنكبة عام "١٩٤٨ م " ، وكل ذلك يتم بإخراج أميركي وبريطاني وأوروبي وباستخدام الأدوات الاستعمارية التي منها حق النقض الذي استخدمته أمريكا في مجلس الامن الدولي يوم (الجمعه ٨ ديسمبر ٢٠٢٣ ) لمنع إيقاف إطلاق النار والاستمرار في الإبادة الجماعية في غزه وهنا يعود السؤال مره أخرى إلى من يطلب من هم تحت الأنقاض والمناشدون الضعفاء تحقيق العدالة ..!! ؟ . سيقال لهم عن أي عالم تتحدثون ؟.. فالعالم العربي والإسلامي ينطبق عليهم حديث الرسول محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والسلام الذي قال { يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ } . إن تلك الطفلة التي اخرجت من تحت الأنقاض وهي لا تعلم شيئ عما حدث ومثلها أطفال بالألوف في غزه . تنطبق عليها  الآية الكريمه {  وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت }  … إن من قتلها في ماضي الزمان وحاضره كفار ومشركون لا يؤمنون بالله ولا بالقيم والمبادئ الإنسانيه ، ولكن الأمل هو ان الله يمهل ولا يهمل ( بأي ذنب قتلت !!!..؟؟؟ . ).

اللواء الركن / حسين محمد معلوي .
( الأربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠٢٣ م - ٢٩ جمد١ ١٤٤٥هـ ) .