الكاتب : لواء م عبد الله ثابت العرابي الحارثي
التاريخ: ٠٣ نوفمبر-٢٠٢٣       31790

ثقافة الوصاية.. الأثر والتأثير

يمتاز أصحاب هذه الثقافة بسمات غريبة تطرح العديد من التساؤلات، وقد أختلف الباحثون والكتاب والدارسون في تشخيص شخصياتهم ودوافعهم. 

لو تعمقنا بعض الشيء في خلفياتهم فسنجد أغلبهم يرتكزون ظلماً وتعسفاً على أنهم ينطلقون من أنهم يحملون الأمانة التي قال الله تعالى عنها "وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا". 

فهم من هذا المنطلق وعلى مر العصور يرون أن الوصاية على غيرهم واجب عليهم بحكم أنهم الأعرف والأعلم والأتقى والأطهر، وأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة في كافة مناحي الحياة، والمخولين بالدفاع عن القيم والمبادئ والأعراف. 

فنراهم يسعون ويحرصون على التأثير والأثر في محيطهم، ويحاربون كل من يطرح عليهم التساؤلات، ناهيك عمن يخالفهم الرأي فهم يعمدون إلى ترسيخ الثقافة المقيتة التي تعتمد على التسليم والتبعية وقيادة محيطهم نحو أهدافهم ومآربهم. 

وفي عصرنا هذا تنوعو وأعادوا النظر في سياساتهم وأدواتهم، ومجال نشاطاتهم وتواجدهم، فنرى لهم حضوراً وإن كان خجولاً متخفياً في كل نشاط في مجتمعاتهم، فنرى الاخ يمارس دور الوصي على إخوته، ونرى شخص أو أشخاص يتدخلون في مناسبات أقاربهم الخاصة بفجاجة، وذلك بتدخلهم في صناعة محتوى تلك المناسبات مايجوز ومالايجوز، ومن يتجرأ على صدهم وايقافهم عند حدهم، يسعون بكل الوسائل المباح منها والمحرمة لخلق المثالب وتأليب الناس على بعضهم وشق عصا المودة والمحبة بين مكونات مجتمعاتهم. 

ولا تنحصر أدوارهم على مكون مجتمعي أو نشاط فنراهم يتصدرون المجالس ويصادرون اي محتوى أو طرح يخالف توجهاتهم. 

لماذا لأن هذه الثقافة تحصر علاقتها بالسلطة الوصائية بصفتها مرجعاً لا يقبل التبيان والاختلاف، لأن ذلك يعني أن العقل يعمل والوصي لا يريد للعقل أن يعمل، كما أنه لا مجال لديهم لإظهار أي إمتعاض أو إستنكار أو رفض، لأن ذلك يكشف بعض إنسانية الإنسان ويدل على بقايا دوره وإرادته التي يفترضون زوالها ليسودوا ويتسيدوا المشهد.

وفي ذلك بعد خطير لأنه يقود في النهاية إلى تسطيح العقل وإشاعة اللاعقلانية في التفكير الجمعي والمجتمعي، وإلى قتل روح التجديد والمبادرة عند الناس، ومباركة الخنوع والتسليم والرضا والسخرية من جدوى أي فعل إيجابي سعياً منهم لمحاولة بناء مجتمع سلبي لا مبالٍ. 

لينطلقوا بعد هذا إلى مراحل متقدمة في الوصاية بتصنيف الناس واستنكار أي صوت إلا صوتهم وتسفيه كل رأي إلا رأيهم، فهم الفاهمين الوحيدون في العالم وما الناس إلا جهلة عليهم الانصياع إلى أوهامهم ولا صواب إلا ما يقولون وأن غيرهم متآمرون وأنهم وحدهم من يريد الخير والبناء وغيرهم يريد الشر والدمار.

لو نستعرض بعض من تلك النماذج التي مرت بنا وتعاملنا معها في محيط الاسرة ( اخ خال عم ) أو القبيلة (شخص أو اشخاص) أو أي تجمع أو إجتماع وحتى القروبات لوجدنا إنهم يختلفون كأشخاص ولكن مبادئهم وقناعتهم واحدة الوصاية المطلقة. 

نحمد الله إنهم في هذا العهد الزاهر عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين وعهد ولي العهد حفظهم الله وأيدهم قد تلاشوا وانحصر دورهم في مجالات داخل مجتمعاتهم الخاصة. 

ورغم ذلك فالأمر يحتاج جهد من النخب والمثقفين والإعلام ومؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني بنشر ثقافة الاختلاف وقبول الرأي الآخر والتعايش معه، وأن رأيك صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرك خطأ يحتمل الصواب ونبذ ثقافة الوصاية السلطوية، وتعزيز ثقة الناس في أنفسهم وتثقيفهم بحقهم في النقاش والحوار وطرح الأسئلة وعدم التسليم والتبعية، كل ذلك سيقلل ويحدد من أدوار الأوصياء في مجتمعنا وحياتنا.

بقلم- اللواء م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي