

أحمد سليمان النجار
يروي أحدُ الأثرياء قصة كفاحه ونجاحه وبدايته من الصفر فيقول :"كنتُ حمالاً في الميناء بأجرٍ زهيدٍ للغاية , وقررتُ يوماً أن أدخل عالم التجارة , فجمعتُ ( دولاراً ) بكل مشقة , واشتريتُ به كيلو تفاح وبعته بـ( دولار ) ونصف , ثم اشتريتُ كيلوين وبعتهما بثلاثة ( دولارات ) , ثم اشتريت ثلاثة كيلوات تفاح وبعتهم بـأربعة ( دولارات ) ونصف , ثم اشتريت أربعة كيلوات تفاح وبعتهم بستة ( دولارات ) , ثم مات عمي الغني وكنت وريثه الوحيد وورثت مئة مليون ( دولار ) ..!!😁
مامن شيء يفوق الأثر التدميري لقوة الوهم إلا وهم القوة , وأوضح نموذج على ذلك , هو ماشاع مؤخراً في كثير من اللقاءات من كثير من الأشخاص , ممن يتحدثون عن تجاربهم الخاصة وكيف كانت بدايتهم من الصفر ، ثم بلغوا نجاحاً مُدهشاً للغاية , وبحسب المنطق : مقدمات بسيطة تؤدي إلى نتائج غير متوقعة وقوية ..!!
مثل هذه الأمور غير مستبعدة , ولكنها نادرة الحدوث , وستجد لها تبريراً منطقياً , كما حدث مثلاً مع ( ايفان شبيجل) و( بوبي مورفي ) اللذان أسسا ( سناب شات ) في عام (2011 ) ولم ينتهٍ عام ( 2014 ) إلا وكان صافي ثروة شركتهما يبلغ ( مليار دولار ) ..!! وهناك تفسيرات منطقية كثيرة لذلك لاحاجة لذكرها , ولكن أن تبدأ بـ ( كيكة ليمون ) أو ( شاهي جمر ) , ثم تتحول إلى (مليونير ) وسيدة / رجل أعمال ناجح في غضون وقتٍ بسيط , فثق أن وراء الأكمة ماوراءها ..!!
لانتهم أحداً بالكذب , ولكن لابد أن ننوه أن الأصفار -حقاً - مقامات , فهناك من بدأ من الصفر, لكن كان صفره مدعوماً بظروفٍ ومواقع وأشخاص وإمكانات مساندة خاصة , حولت هذا الصفر إلى عددٍ بعد أن كان مُجرد رقم ..!!
هل يبدو هذا الحديث حقداً طبقياً ؟
انتشار مثل هذه القصص - وبالذات بين الشباب - قد يؤدي - في نظري - إلى كارثتين اثنتين :
الأولى :
مايُسمى علمياً بـ ( التلبيس في الجدار ) فقد يستمع شخصٌ ما لمثل هذه الحكايا , ثم يأخذه الحماس ، ويقرر أن يبدأ من الصفر , ويكون صفره ( على قد حاله ) فيستدين ويغامر , ثم لايحدث معه ماحدث مع أصحاب الأصفار ( عيال الناس ) , ولايبني إمبراطورية تجارية ويتربع على عرشها , ولاينتبه إلا وقد ارتطم مُسرعاً ( لَبَسَ ) في حائطِ ( جدار ) ويجد نفسه متربعاً في السجن مديوناً ..!!
صحيح أن الرزاق هو الله -سبحانه - وأن هناك تجارب قد نجحت فعلاً , ولكن إما نجحت بتفسيرٍ منطقي أو أخذت وقتها الطبيعي وجهدها المتوقع لكي تنجح وتؤتي ثمارها بعد دراسة الأمر وحساب كل شيء ..
الثانية :
أن يصاب المستمع لمثل هذه الأقاصيص بالإحباط , وذلك عكس الحماس , فيقول في نفسه :
أين أنا وأين مثل هؤلاء , فيزهد في التجارب البسيطة التي قد تدر عليه ربحاً يسيراً ، لكنه مضمون أكثر ..!!
وقد كنت - ومنذ فترة طويلة - أقول عن بعض القصص أنها قد تسبب لمستمعها الإحباط - هذا إن كانت حقيقية - وليس في التجارة فحسب , حتى في العبادات والطاعات , فكم قلتُ :
إن كثيراً من القصص التي ذكرها ابن الجوزي -يرحمه الله - في كتابه صفة الصفوة - مثلاً - , هي قصص قد تسبب الإحباط , فعندما يروي لك قصصاً عن أشخاص قامواً بطاعات لايطيقها بشر , فأنت قد تقارن قوتك وقدرتك بهم , فتعلم يقيناً أنك عاجز عن أن تفعل مثلهم , فتزهد حتى في أبسط الطاعات فتترك جله لأنك عاجزٌ عن أدراك كله ..!!!
وإذا كانت القوة الحقيقية خطرة وقد تكون مؤذية , فمحمد على كلاي - يرحمه الله - كان قوياً حقيقياً , لكنه رغم هذه القوة الحقيقية ,تلقى ضربات عنيفة , تسببت في النهاية بإصابته بداء ( باركنسون ) ..!!
فوهم القوة أخطر وأشد إيذاءً , كمن يظن نفسه قوياً ويقرر أن ينازل ( جون سينا ) مثلاً , ويقوم فعلاً - وتحت تأثير وهم القوة - بضرب هذا ( الدولاب ) البشري كفاً واحداً يتيماً , ثم يقصون عليه ماحدث بعد أن يفوق من غيبوبته ، بعد أسبوعين من الكف ، وهو على سرير المستشفى , فيقول :
ماذا حدث ؟!! أنا أذكر أني ضربته كفاً , ثم رأيت ضوءاً أبيضاً كـ ( الفلاش ) ولاأذكر شيئاً بعده .!!😁
كونوا حذرين في تلقي مثل هذه القصص , ولاتبنوا عليها قراراُ ما , فهي حتى وإن كانت صحيحة , فقد تكون لها ظروف وملابسات لاتتوافر عندكم ..!!
✍🏻بين يدي الشعر :
الشاعر فهد الشهراني يقول :
لاتفاخر وانت وارث , وتعطينا دروس **
وانت من يومك صغير حوالينك خدم ..!!
من خذاها باليمين وتحت حك الضروس**
يفرق بعيني عن اللي خذاها من عدم ..!!

