

أحمد سليمان النجار
( بنشر ) الطاقة ..!!
'
اتصل الضابط على أحد العساكر المتواجدين في موقع الحادث , ليسأله عن تفاصيل الجريمة :
العسكري : زوجٌ ممددٌ على الأرض , ولاندري أهو حي أم ميت ؟!!, بعد أن ضربته زوجته بقطعة حديد على رأسه , والزوجة في حالة هياج شديد وماتزال قطعة الحديد في يدها ..!
الضابط : ولماذا فعلتْ ذلك ؟!!
العسكري : دخل الزوج بحذائه المتسخ , وكانت قد انتهتْ للتو من مسح بلاط المنزل , وسندخل بعد قليل للقبض عليها ..!!
الضابط : وماذا تنتظرون ؟!!
العسكري : ننتظر أن يجف البلاط ..!!😄
أخطر الجرائم وأبشعها على الاطلاق , هي التي لايمكن الإبلاغ عنها , إما لأن المجني عليه يخاف من عواقب الإبلاغ , أو لأنه لايعلم أن ماوقع له جريمة , ومن هذه الجرائم :
جريمة سرقة الطاقة , فلن يستطيع أي أحد أن يتوجه لقسم الشرطة , ويُقدِمُ بلاغاً ضد لص طاقة ما ..!!
فهل تُسرَقُ الطاقة ؟ وكيف تُسرَقُ ؟ وكيف نحميها ؟
وبدايةً سأستعيرُ قطعة الحديد من الزوجة , فقد أحتاج إليها لاحقاً عند حديثي عن الطاقة , لأني لن أنكر وجود الطاقة كقوة مُحركة للإنسان مؤثرة فيه , ولن أُنكر قابليتها للزيادة وللنقص , وكذلك للانتقال , ومع فائق احترامي وعظيم تقديري لكل العلوم , ولكني أُنكر -جملة وتفصيلاً - هرطقات أصحاب ( بسطات ) الطاقة و ( ورش ) تنظيف ( الشاكرات ) و ( تسقيط شنابر ) الطاقة , وكل خزعبلاتهم واستغلالهم التجاري ( الأهبل ) لهذا الأمر , وللتذكير : ( الحديدة لاتزال في يدي ) ..!!
الطاقة -وجهة نظري - هي القوة التي تنشأ عن المشاعر ومرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً , ولايمكن وجودها مُنفردة دون مشاعر تتسببُ بها , ولأن المشاعر منها ماهو سلبي ومنها ماهو إيجابي , فلذلك هناك طاقة سلبية وأخرى إيجابية , ولأن المشاعر مُعدية , وتنتقل من شخص لآخر ومن بيئة لأخرى , فإن الطاقة تُعدي وتنتقل كذلك , ولأن المشاعر ممكن أن ترتفع أو تنخفض تحت ظروف معينة , فبالتالي الطاقة الناشئة عنها سترتفع وتنخفض كذلك , وقد ترتفع إلى أقصى درجة , وهو ما نسميه بالإيمان , وقد تنخفض إلى أدنى درجة , وهو مانسميه باليأس ..!!
وحديث حنظلة الأسيدي - رضي الله عنه وأرضاه - الذي رواه مسلم :
( نافق حنظلة ) , أوضح دليل على كلامي , فالصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - عندما يكونون عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - فمشاعرهم ترتفع جداً , فتنشأ عنها طاقة قوية للغاية , وعندما يغادرون ويختلطون بالحياة تقل هذه المشاعر , فتقل الطاقة بالتالي ..!!
وهذا ماأريد الوصول إليه , وسأرجعُ الحديدة لصاحبتها , وسأقول :
لنسيطرَ على الطاقة , وكذلك نوعها , يجب علينا بداية أن نُجيد إدارة مشاعرنا ، إدارة واعية , وطالما أننا عرفنا أن المشاعر هي المُستهدفة , وليست الطاقة بذاتها , صار لزاماً علينا أن نفعل كما يفعل المُصاب بالحساسية من الطعام , فالأطباء يطلبون منه أن يُراقب طعامه , فأي نوع يتحسس منه وجب وضعه في قائمة الأطعمة التي يجب الابتعاد عنها , أو التخفيف منها على الأقل , وكذلك نفعل مع المشاعر , نراقب , فأي أماكن أو بيئات أو علاقات أو أشخاص , تُسببُ لنا مشاعر سلبية , وبالتالي ينتجُ عنها طاقة سلبية , تؤذينا وتُدمرنا وتُعكر حياتنا وتُفقدنا لذة الحياة , وتشغلنا بتوافه ردود الفعل من كراهية وانتقام ، عن الارتقاء بأنفسنا , وكما قال الفرزدق مُعيراً جرير :
وشُغلتَ عن حسبِ الكرامِ وما بنوا ••
إن اللئيمَ عن المكارمِ يُشغَلُ ..!!
ودائماً أنصح من أُقدم لهم استشارات في هذا الموضوع :
لاتجاملوا أحداً في مشاعركم , وإن ثبتَ لكم أن مكاناً أو شخصاً أو علاقة أو بيئة , يسبب لكم مشاعر سلبية , فحاولوا - قدر المستطاع - التخلص منه ، أو على الأقل التقليل منه بالحد الذي لايخالف الشرع والعقل ..
وهنا سأقول أمراً قد يعترض عليه الكثير , ولذلك أستأذنكم لحظات لأعيد ( حديدة ) الزوجة , وسأكمل فأقول :
مواطن المشاعر السلبية , جانب من الجوانب , ولكن هناك جوانب أخرى , لاتُسبب مشاعر وطاقة سلبية , بل هي تستنزف طاقتنا الطبيعية , فنهدرها - ودون أن نعي - في أمور كان من الأفضل أن نُسخرها في أمور أفضل منها وأهم وأكثر فائدة , والطاقة لاتكون فارغة أبداً , فإن لم نملأ خزان وقودها بالايجابية , احتلت السلبية كل فراغ فيها ..!!
ومن هذه المواطن المُستنزفة للطاقة والتي لابد من التوقف عنها أو التقليل منها إن لم تكن هناك جدوى من معالجتها :
- ألا تكون على طبيعتك , فأي علاقة لاتُساعدك على أن تكون فيها على طبيعتك , فهي علاقة مستنزفة للطاقة , لأن محاولة الظهور بغير طبيعتك تستلزم طاقة جبارة للغاية ..!!
- العلاقات أو البيئات التي أطلق عليها : ( حقول الألغام ) , فأي علاقة أو بيئة - أي علاقة - تكون فيها حذراً مُترقباً بشكل مبالغ فيه , لكل كلمة وكل تصرف وكل خطوة , أو تكون فيها مُضطراً لاحتمال إيذاء طرف ما وتقلب مزاجه , أو أخلاق طرف ما السيئة وتغطرسه وعنجهيته وبشاعة استغلاله لوضعه أو لوضعك , كل هذه العلاقات مُستنزفة للطاقة مُهدرة لها ..!!
- ردود الفعل الغارقة في الخير , مثل التسامح وكظم الغيظ ...إلخ , نعم , هذه من أكثر المواطن استنزافاً للطاقة , وعلى الرغم من وجود ( الحديدة ) في يدي إلا أني سأوضح مقصدي :
الشر والانتقام والإيذاء , سهل وميسور , إنما أن تحتمل وتصبر وتعفو وتصفح , وترد الشر بالخير , فهذا الصعب للغاية , وهذا هو المُستهلك الجبار للطاقة , وأكبر مستنزف لها ..!!
أما قالها عبدالله بن عمر - رضي الله عن أبيه وعنه - في الحديث المروي في مسند أحمد , عن رجل من أهل الجنة , ونام عنده ابن عمر , فوجده يعفو عن كل الناس قبل أن ينام , فقال له ابن عمر : هذه مابلغت بك , وهي مالانطيق ..!!
وحديثه - صلى الله عليه وسلم - :
( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ..
ولذلك أقول دائماً :
أمامك طريقان :
الأول : ( حديدة الزوجة ) , والرد بالمثل ..
الثاني : التسامح والصفح والعفو , وإن اخترت هذا الطريق , فاعلم أنك تحتاج لطاقة جبارة للغاية لفعل ذلك , وبما أننا اتفقنا أن المشاعر هي مولد الطاقة , فربط كل ذلك بمشاعر إيمانية راقية , ترتبط بالله وبالأجر العظيم وباتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم ,- سيضمن لك مورد طاقة لاينفد بإذن الله ..
وختاماً أقول :
في تفاصيل المواطن السابقة يكمنُ شيطان لصوص الطاقة , ولو افترضنا أن الطاقة هي الإطارات التي تنقل الإنسان في خططه وخطواته , فإن هذه المواطن هي بمثابة ثقوب في تلك الإطارات , ولا بُد من سد هذه الثقوب , ولاأعرف ، أتجارُ الطاقةِ لديهم ( بنشر ) خاص بالطاقة , فـ ( يرقعون ) الثقب ؟ , أو أنه لزاماً أن يقوم كل إنسان بذلك بنفسه , فذلك هو الأصح والأفضل ..
أحمد سليمان النجار

