أحمد سليمان النجار 

١١:٢٥ ص-١٣ يوليو-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ١١:٢٥ ص-١٣ يوليو-٢٠٢٤       23705

 

حكى صاحب كتاب ( تسلية الطفشان بأخبار الجان ) قصة عن قدرة البعض على تسخير الجن لخدمتهم , فقال :
توجه رجلٌ لسوق السيارات المُستعملة لشراء سيارة له , فشاهد على مدخل السوق رجلاً يقف أمام سيارة متهالكة للغاية , ومن باب الفضول , وقف بجواره وسأله : هل السيارة للبيع ؟ فأجاب الرجل : نعم , فسأله : بكم ؟ فقال الرجل : بمليون ..!! , استغرب الرجل وسأله بغضب : أتمازحني ؟!! فقال الرجل : لا , ولكن هذه السيارة فيها ميزة عظيمة , ففي داخلها عفريت من الجن , عندما تضرب ( شنطة ) السيارة ثلاث ضربات يخرج العفريت من ( الشكمان ) فتطلب منه ماتشاء , وإن رغبت في الشراء جربت ذلك أمامك , فوافق الرجل , وفعلاً , أدار الرجل المحرك وضرب ثلاث ضربات على ( شنطة ) السيارة , فخرج من ( الشكمان ) دخان كثيف , وعندما انقشع الدخان ، إذ عفريت واقف بين أيديهم ويقول بصوت مدوٍ : أمرك مجاب سيدي المهاب ..
فقال له الرجل : أحضر لنا شاياً , وبلمح البصر كان أمام الرجلين شاياً فاخراً ..!!
كاد الرجل أن يطير فرحاً ، وقال لصاحب السيارة : أريد هذه السيارة, فلا تبعها حتى أعود بكامل المبلغ , وعاد بعد أن باع كل مايستطيع واستدان من كل من يعرف , ودفع المليون وانطلق بالسيارة بعيداً , وعندما وصل أمام قصر فخم ضخم , أدار المحرك وضرب ( الشنطة ) ثلاث ضربات وظهر العفريت , فقال له : 
أريد مثل هذا القصر , فنظر إليه العفريت باستغراب , وقال له : عفواً ياسيدي , أنا للشاي والقهوة فقط ...!! 😁

بداية , العالم مليء بالغرائب والعجائب , وذاك المخلوق المُسمى ( إنسان ) يعج بأسرار لم يتم اكتشاف كثيرٍ منها حتى لحظة كتابة هذا المقال , وهناك الكثير من الظواهر التي يقف العلم أمامها حائراً عاجزاً عن التفسير , كوقفة مُشتري السيارة  عندما صُدِمً بجني ( الشكمان ) ..!! 
ولكن هناك أمورٌ وإن ظهر أنها خارقة ، إلا أنه من الممكن تفسيرها عقلياً , إما تفسيراً دقيقاً أو أقرب للحقيقة على الأقل , وعلى رأس هذه الأمور , ظهور سيدة تُخبر بأمور قبل حدوثها , وقد فُتِنَ كثيرٌ من الناس بها وبمن ظهر قبلها ، وسيفعلون مع من يظهر بعدها ..!! , لدرجة أن هناك إشاعات حول استعانة بعض رؤساء الدول  ورجال الأعمال بها وبغيرها لكي تتنبأ لهم بأمور مستقبلية , ولاأظنكم بحاجة لمعرفة أن بناء القرارات على مثل هذه الأمور هو ضرب من الحماقة المركبة ..!!

ولم أكتب هذا المقال لمحاولة تفسير الأمر , ولكني قبل أن أذكر سبب كتابتي له , لامانع في أن أُفكر معكم بصوتٍ عالٍ - ولي الشرف - ففي ظني أن الأمر ليس فيه استعانة بالجن , لأن الجن هي بنفسها لاتعرف الغيب , وعند بعثته ﷺ سُدتْ عليهم مقاعد السمع إلا استراقاً , وذلك محدود للغاية ولايمكن استخدامه كتفسيرٍ للأمر , وبذلك لن يتبقى إلا أمور مختلفة , قد يكون أحدها هو التفسير , أو أنها مجتمعة هي التفسير .

📍 لو قلنا أنها من المُحدثات المُلهمات , قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ( لَقَدْ كَان فِيما قَبْلَكُمْ مِنَ الأُممِ نَاسٌ محدَّثونَ، فَإنْ يَكُ في أُمَّتي أَحَدٌ، فإنَّهُ عُمَرُ ) , ولكن الكثير من العلماء يربط بين ذلك وبين التقوى , في علاقة طردية , وحتى لو تجاوزنا ذلك الربط , فإن الدقة في التنبؤ لبعض الأحداث يثير الدهشة فعلاً , ويُخرج الأمر من مجرد إلهام ..!!

📍ولو قلنا أن للأمر علاقة بعمل استخباراتي , أي أن للشخص دور في نشر بعض الأخبار مُسبقاً قبل حدوثها , لقياس ردأت الفعل ولكثير من الأهداف الأخرى , ولكن الإخبار بموت شخص بعينه موتاً طبيعياً - أو كما يظهر لنا - يجعل الأمر فوق قدرة أي جهاز مهما بلغت قوته وحرفيته , وبذلك نستبعد هذا الاحتمال ..

📍ولو سلمنا - جدلاً - بأن لدى هذا الشخص قدرة خارقة فعلاً , ودخلنا العالم الذي سماه عام ( 1988 ) للميلاد ، عالم النفس الألماني ( ماكس دسوار) بـ (الباراسيكولوجي) (Para-Psychology) أو ما وراء النفس , أو علم النفس الموازي, وتجاوزنا أن هذا العلم لم يصمد أمام انتقادات معارضيه , ومامن تجربة من تجاربه إلا وظهر حولها مشككات كثيرة , ولو سلمنا بذلك , وهذا مايحاول هذا الشخص الإشارة إليه في كثير من أحاديثه , ليصبغ على نفسه هذه الصفة ويمنحها هذه القدرة الخارقة , ليصبح الأمر أقوى أثراً وأشد إقناعاً , ولكن مايقوم به هذا الشخص لايندرج - من حيث العدد والتكرار - تحت هذا الباب مُطلقاً ، وفي ذلك تفصيل كبير ..!!

⭕️ وعندي تفسير خاص بي , وهذا التفسير قد يجمع - بشكل مباشر وغير مباشر - كل التفسيرات السابقة , وتفسيري هو :
ماتقوم به هذه الشخصيات ، هو توقع وليس تنبؤ , وشتان بين الأمرين, فالتوقع هو قراءة المستقبل وتوقع أحداث ونتائج بناء على مُقدمات , وبالفعل : لو قمنا بجمع كل ماتحدثتْ به شخصيتنا النسائية الشهيرة , لوجدناه - في معظمه -  توقع وليس تنبؤ , فخذ أي خبر من أخبارها وقم بالتفتيش عنه فستجد أنه كان ظاهراً على الساحة قبل فترة لابأس بها , فنستطيع بشيء من الذكاء  والجهد أن نجمع هذه المعلومات ونرتبها ونربطها ثم نتوقع حدثاً مُعيناً أقرب لاحتمال الوقوع ، بناء على التطور الدرامي للحدث نفسه , ثم قم بوضعه مع أكثر من خبر وبنفس الآلية , مع مجموعة من الأخبار , وانشره بين الناس , وانتظر , فإن حدث ولو حدثاً واحداً مما توقعتها أو بعضاً منه , فقد تحقق لك ماتريد , وصرت قِبلة ( المخفات ) ليتابعوك ويصدقوك وينتظرون دخان ( شكمانك ) .., وإن لم يحدث أي حدث منها أو حدث عكس ماتوقعت , فسينساه جماعة ( ذاكرة السمكة ) وكأنه لم يكن , وستعود ويعودون ..!!

حقيقة في الأمر مزيج مدهش وخطير من أمور عديدة , وعلى رأسها الجهد الشديد والذكاء الأشد , واعتماد ضربات الحظ .., ولايمنع ذلك من وجود أسباب أخرى لانعلمها ..!!

وحقيقة مايهمني وماكتبت من أجله هذا المقال هو أمر خطير جد خطير  :
⚠️ ياسادة ، إن تصديق مثل هذه الأمور , هو خرق عظيم لعقيدة المسلم , والأمر لايحتمل العبث مُطلقاً , فإن فيه كفر والعياذ بالله ..!!
قال الله تعالى : 
( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا )
( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) 
وقال ﷺ : 
( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد. ) 
والاتيان هنا يعادله مشاهدته وتتبع أقواله على وسائل الإعلام ..!!

لعل صاحبنا عندما أُسقط في يده ,  قرر أن يعوض بعض خسائره، ويصلح سيارته ( المليونية ) و ( شكمانها المخروم  ) الذي صار يخرج الكثير من الدخان الخالي من الجن , ولعلنا نهجر - تماًماً - مثل هؤلاء الأشخاص ونتوقف فعلاً عن متابعتهم والاستماع إليهم , فخسارة كل ( ملايين ) الدنيا لاتعادل خسارة المرء لعقيدته , وماسيحدث سيحدث بإذنه تعالى , وحده يعلم الغيب سبحانه جل جلاله ..

أحمد سليمان النجار