

بقلم - الكاتبة والروائية ريما ال كلزلي
تُعدّ الكتابة من أعمق الأنشطة الإبداعية التي يمارسها الإنسان، وتتطلب توازناً دقيقاً بين المعرفة والتفكير والصياغة. عندما يُطلب منك كتابة موضوع جديد، فإنك تجد نفسك أمام تحدٍّ يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين لتعلّم الموضوع قبل الشروع في الكتابة. هذا المقال يستعرض كيف تؤثر معرفة الكاتب بالموضوع على سرعة وجودة كتابته، ويقدم أمثلة متنوعة لتوضيح الفكرة. عندما تكون لديك معرفة عميقة بموضوع معين، تستطيع الكتابة عنه بسرعة ودقة. على سبيل المثال، إذا طُلب منك وصف مشهد مائدة العشاء أمامك، ستجد نفسك قادرًا على الكتابة بسهولة بسبب وفرة المعلومات لديك. تستطيع أن تصف ألوان الأطباق، روائح الأطعمة، وجوه الزبائن، أصوات ضحكاتهم، وانعكاسات الثريّا على الجدران، لأنك تعيش هذه التجربة بشكل مباشر. أمثلة من أدب الواقع: - جاك لندن كتب رواية "نداء البرية" مستنداً إلى تجاربه في مناطق كلوندايك خلال فترة التنقيب عن الذهب. معرفته العميقة بالحياة في البرية والظروف القاسية التي واجهها هناك أضفت مصداقية وحيوية على قصصه. - جورج أورويل كتب "1984" و"مزرعة الحيوانات" بعد تجربته الشخصية مع الأنظمة التوتاليتارية والديكتاتوريات في إسبانيا وروسيا. هذه التجارب منحت كتاباته بعداً واقعياً وعمقاً فلسفياً. - أجاثا كريستي استندت إلى خبرتها الواسعة في علم الصيدلة والمعرفة بالسموم في كتابة رواياتها البوليسية، مما جعل ألغازها أكثر واقعية. -نجيب محفوظ، الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل في الأدب، يُعد مثالاً رائداً على كيف تؤثر المعرفة العميقة بالموضوع على سرعة وجودة الكتابة. كتاباته عن الحياة في الأحياء الشعبية في القاهرة، مثل ثلاثية "بين القصرين"، "قصر الشوق"، و"السكرية"، التي تعكس معرفة دقيقة بتفاصيل الحياة اليومية والثقافة المصرية. تبيت كيف عاش في تلك الأحياء وتفاعل مع سكانها، مما أتاح له وصف الشخصيات والأحداث بواقعية ودقة مذهلة. هذه المعرفة العميقة مكنته من الكتابة بسلاسة وسرعة، مضيفاً بعداً حقيقيًا إلى أعماله الأدبية وجعلها تحاكي الواقع بشكل لا يُضاهى. قد تكون تجارب الحياة أساس للكتابة فلا يمكن للكاتب الكتابة ببراعة ودقة وحدس مذهل دون الاستناد إلى تجاربه في العالم. إذا تتبعت حياة كتّاب روايات الخيال العلمي وقصص الفانتازيا، ستجد فيها جذورًا حقيقية انطلقوا منها لبناء عوالمهم المتخيّلة. البطء في الكتابة غالباً ما يكون سببه تأخر الكاتب في تعلّم الموضوع الذي يريد الكتابة عنه. نصائح لزيادة سرعة الكتابة - الكتابة بشكل مستمر في موضوع واحد كلما كتبت أكثر في موضوع معين، زادت معرفتك به وبالتالي زادت سرعتك في الكتابة عنه. - التعلّم المستمر تجاوز الأسئلة المهمة أثناء تعلّمك للموضوع سيؤدي إلى التعثر في الكتابة. لذا، تعلّم بعمق واهتم بالتفاصيل. - الارتجال في الكتابة يدل على معرفة الكاتب معرفة كاملة بموضوعه، الأمر أشبه بقضاء حياة كاملة فيه وحفظه عن ظهر قلب. الكتابة تكشف فراغات المعرفة لديك، وغالباً ما يأتي العجز عن الكتابة حين تكتب عمّا لا تعرفه. إذا أردت زيادة سرعتك في الكتابة، احرص على تعلّم الموضوع بشكل جيد قبل الكتابة عنه. في النهاية، الكتابة هي عملية تتطلب من الكاتب أن يكون متعلماً ومستعداً لاستكشاف جوانب جديدة من المعرفة باستمرار.

