أحمد سليمان النجار 

١١:١٣ م-٠٩ فبراير-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ١١:١٣ م-٠٩ فبراير-٢٠٢٤       24640

( لُغمَك ) يازارع ( اللُغم ) ..!!

وردك يا زارع الورد 
فتح ومال ع العود
كلك ربيـع الورد 
منك الجمال موعود
وردك يا زارع الورد ..!

مايميز هذه الرائعة للفنان طلال المداح - يرحمه الله ويغفر له - ليس كونها أول أغنية يُسجلها للإذاعة في عام 1377 هـ  , ولكن مايميزها  - أيضاً وفي نظري -  أن الشاعر لم يخص الورد والذي تُنسب له - على الحقيقة - كل الصور الجمالية في هذا النص السهل الممتنع , بل إن الشاعر ركز في نصه على من كان له الفضل - بعد الله - في وجود الورد نفسه , والذي لولا أنه زرع الورد , ماكانت كل تلك الآثار الساحرة للورد ..!!

وهذا نفسه ماينطبق على زراعة ( الألغام ) , فليس الأثر السيء هو ماتُحدثه ( الألغام ) ، فهي - وفي بعض الأحيان - تُزرَعُ حمايةً وحفاظاً ووقاية , وبالعموم , فكل قانون واضح ونظام مُحدد وسلوك غير مُستحب , هو بالنهاية بمثابة ( لُغم) قابل للانفجار حال تم العبور من فوقه , بل إن الأثر السيء , يُحدثه من يزرع تيك ( الألغام ) في أماكن غير متوقعة , وليست مكاناً لوضع ( لغم ) مُطلقاً ، ودون وجود لوحة تحذير  ..!!

وفي الحياة , كما أن هناك من تخصصوا بزراعة الورد - مادياً ومعنوياً - فإن هناك - وللأسف - من تخصصوا بزراعة ( الألغام ) - معنوياً  - في أرض العلاقات الاجتماعية المُختلفة ..!!

وأمثلة هذه الفئة في العلاقات الاجتماعية كثيرة للغاية , وهي من تُحَوِلُ العلاقةَ الاجتماعية إلى أرض مملؤة ( ألغاماً ) تنتظر أن يطأها أحدً ما , بكلمة أو تصرف - بغير قصد - لتنفجر تحت قدميه ، فتمزقه وتمزق العلاقة كلها ..!!

فأي علاقة ستنجح ، إن كان التقدم فيها يُشبه التقدم في حقل ( ألغام ) شديدة الانفجار , لاتنطق حرفاً إلا بعد تفكير طويل ولاتقوم بفعل - أو حتى ردة فعل - إلا وأنت قلق متردد , مخافة أن تطأ على ( لغمٍ  ) ما ..؟!!

ولن أُعدد كل أمثلة ذلك , ولن أخوض في السمات النفسية لزارعي ( الألغام ) الاجتماعية , ولا لماذا يقومون بذلك , ولكني سأحاول - عبر عرض نماذج من هذه الفئة - أن أُسلط الضوء على تصرفات سلبية يقومُ بها البعض - بقصد أوبغير قصد -  تُمثِلُ مساعدة لزارع ( اللغم ) ليضع ( لُغمَه ) , ومعرفة هذه التصرفات , يعين - بعد توفيق الله - على منع الزارع من ممارسة هوايته المُدمرة , وستعين - حتى بعد صدورها - على مسح أرض العلاقة الاجتماعية , ونزع مافيها من ( ألغام ) ..

وبداية تخيلوا معي , زوجة أو زوج  , أخت أو أخ  , صديقة أو صديق ،  موظفة  أو موظف ، يعيشون في قلق دائم  لايعلمه إلا الله , أي تطور إيجابي لتلك العلاقة سنراه ؟! وأي إنتاج وظيفي مميز سنخرج به ؟!

بل والأخطر من ذلك ، أن حالة الحذر المٌقلق تلك , قد تضغط على أعصاب ونفسيات العابرين في حقول ( الألغام ) تلك ، وتتسبب بمشاكل صحية واجتماعية لاحصر لها ولاعدد , ليس لمن ينفجر فيه ( لغم ) - أو يكاد - بل حتى لزارع ( اللغم ) نفسه ..!!

وسألخص هنا تلك التصرفات في حزمتين اثنتين في مجالين اجتماعيين :
المجال الأول : 
المجال الوظيفي المهني :
وأكثر تصرف يُعين زارع ( الألغام ) في أرض وظيفية , أن من يملك منعه عن فعل ذلك ، ممن يشغلون مكاناً أعلى منه في الهرم الإداري , يملكون عقليات محدودة للغاية وغباء إدارياً يخولهم للمركز الأول - لو كانت هناك بطولة في هذا المجال -  فهم يركزون على النتائج الوقتية العاجلة ( الكم ) , وهي - بالتأكيد - ستكون في بدايتها إيجابية , لكنها لن تلبث أن تتدهور وتسوء , وتُعرقل العمل , وتجعل الميدان متوتراً , مُستنزفاً وطارداً لكل العاملين فيه , فتكثر المشاكل وتتفاقم , وعندما يبدأ ( مكياج ) الكيف الذي يزين وجه الميدان بالزوال تحت مطر الاضطرابات الوظيفية , يتحرك حينها من كان يتحتم عليه التحرك من البداية , لا ليعالج الأمر , بل لينقل زارع ( الألغام ) هذا ،  لأرض جديدة نظيفة , يُمارس فيها هوايته , ويحقق نتائج ( كمية ) مؤقتة .... وتستمر الحكاية ..!!!

المجال الثاني :
المجال الأسري ومافي حكمه :
في بعض الحالات  - وفي هذا المجال - يملك  المضطر لمعايشة هذا الزارع -لأي صفة كانت - القدرة على أن يعالج هذا ألأمر بنفسه , ليس عن طريق الصبر السلبي المؤدي في النهاية للانفجار , بل عن طريق وسائل عديدة ومحاولات متكررة وجهود تُبذَلُ مع الزارع لتعديل سلوكه المدمر ..

ولكنه في كثير من الحالات لايملك من الأمر شيئاً ..!

ولو أخذنا المجالس عينة ، فقد يتضح ماأقول :
فقد يحدث أن بعض المجالس - أعني ماتبقى من مجالس لم تغتالها الهواتف المحمولة بعد  - يكون المجلس كما قال راكان بن حثلين - يرحمه الله ويغفر له -  حرفياً :

يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال ** 
في مجلسٍ ما فيه نفسٍ ثقيله ..

وفجأة تحضر النفس الثقيلة , زارع ( الألغام ) فيخيم الصمت على المجلس , ويشيع التوتر الحذر , ويهرع الجالسون - زرافاتٍ ووحدانا -  نحو هواتفهم المحمولة مخافة أن ينطق أحدٌ بكلمة ما ، فتطأ قدمه ( لغماً ) من ( ألغام ) صاحبنا فتنفجر فيه ..!!

والخلل هنا ليس في الزارع -كما أسلفت - بل فيمن حوله , وذلك لغياب ثقافات كثيرة وعلى رأسها :
ثقافة النصح والإرشاد والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة , فإن لم تفِ بالغرض ، فتأتي ثقافة الإصلاح بين الناس ، والتي من ضمنها الأخذ على يد زارع ( الألغام ) ومنعه عن فعله , فإن أبى إلا زراعتها  ، وقفوا في وجهه , لا كُرهاً فيه ولابُغضا , ولكن ليُراجع -تحت الضغط الجماعي - نفسه  , عله أن يعود لرشده ..

وهذا بالضبط ماعنته الآيات في سورة الحجرات , حيث قال عز من قائل :
{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

ويخطيء البعض عندما يظن أن هذه الوصفة المُدهشة تتعلق بالخلاف بين الجماعات والدول فحسب , بل حتى بين فردين اثنين , فإن بغى أحدهما على الآخر - بعد محاولات الإصلاح - فيجب إتخاذ موقف صارم معه ليعود لرشده , ولكن بات ديدن الكثير منا , ( ياعمي إيش لي صلاح ؟!! ) ..!!

وقبل الختام :
هل أنتِ / أنت  ، زارع ورد , أم زارع ( ألغام ) ؟!


أحمد سليمان النجار