أحمد سليمان النجار 

٠١:٥٨ م-٢١ يوليو-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ٠١:٥٨ م-٢١ يوليو-٢٠٢٤       32670


 استقر الغراب على الغصن وفي فمه قطعة لحم شهية , فسمع الثعلب يناديه من أسفل الشجرة : ( يابو سمرة ياقمر , يامطرب الغابة المبدع , نفىسي اسمع موال منك ) , لم يلتفت له الغراب , وبدأ يأكل قطعة اللحم , فلما انتهى منها , نظر للثعلب وقال له : 
الآن ستسمع أجمل موال .., لم يترك الثعلب كلمة قبيحة في قاموس ( حواري ) الغابة لم يطلقها على الغراب , ثم انصرف خائباً ..!!
ضحك الغراب وقال للثعلب : ( تبغاني أمول علشان أفتح فمي وتطيح قطعة اللحم وتأكلها , تحسبني الغراب الدلخ اللي في كتاب رابع ؟!!) 😄
مخطئ من ظن يوماً •• أن للثعلب دينا ..!! 
هذه الحقيقة التي اتحفنا بها أحمد شوقي , ليس للثعلب ذنبٌ فيها , فالقيمُ هي الفارق الحقيقي بين الإنسان والحيوان , وهذا - في نظري - مايجب أن تسعى إليه التربية , وأي تربية تخلو من هذا الهدف , هي تسمين -على الحقيقة - وليست تربية , فمربي الأبقار يقدم لها العناية والطعام والماء والدواء , لكنه لايقدم لها قيماً من أي نوع ..!!
والحديث عن التربية  -غالباً - مايقودنا إلى الخلاف بين التربية ( الكلاسيكية ) القديمة وبين التربية الحديثة , وأنا - وعلى الرغم من كوني حائز على جائزة ( نوفل ) للتربية والطبخ - لن أهاجم التربية الحديثة , بل سأذهب إلى أبعد من ذلك , وسأنفي وجودها تماماً ..!!
وقبل أن ينفعل مُنفعل , ويقول لي : ( اطلع لي بره المقال إذا كنت رجل ..)😡 , سأشرح وجهة نظري بالتفصيل فأقول :
عندي -كمهتم في التربية ومستشار فيها - أن أهم مافي التربية هو ماأسميه ب ( الموقف التربوي ) ، وينطبق ذلك على التدريس أيضاً , والموقف التربوي قد يكون مقصوداً أو غير مقصود , وكل موقف تربوي لايتم التعبير عنه إلا بفعل تربوي , والفعل التربوي لايأتي جُزافاً , بل تقف خلفه نظرية ما , والنظرية هي نتاج فكر ما , والفعل التربوي هو الذي ينقلها من عالم التجريد الفكري إلى عالم التحقق الواقعي ,  وقد يكون متخذ هذا الموقف التربوي - أو التدريسي - على علم بهذه النظرية أو لايعلم بها , وعدم علمه بها لايعني عدم وجودها , لذلك أقول دائماً : أن المُربي -وكذلك المُدرس - يكتسب -عادة - مواقفه من طريقين : إما أن يكرر تقديمها كما قُدمتْ له بشكل مباشر أو غير مباشر عبر السماع عنها أو تعلمها , أو أنه يُقلد موقفاً صدر من إنسان معجب به ..!!
فإن اتفقتم معي في ذلك , فإننا لكي نُكسِبَ شخصاً ما موقفاً ما , فإننا نلج إلى أعماق وعيه , فنبحث عن موقف موجود غير مرغوب , ونقوم -عبر عمليات موجهة لإقناعه - بإزالته , وأن يستبدله بالموقف المرغوب البديل , وهذا هو التغيير العميق الفاعل  , أما غير ذلك فهو تغيير سطحي زائف , لايلبث أن ينقشع عند أول هبة ريح ..!!
ماعلاقة ماسبق بإنكاري لوجود التربية الحديثة ؟ 
مع أنه ( موشغلك 😁) لكن لابأس سأوضح الرابط باختصار فأقول :
مايوجد هو فكر حديث , نتج عنه نظريات حديثة , وهذه النظريات تمخضت عن أفعال تربوية , ثم تُرجمت لمواقف تربوية حديثة , ولكن ليس هناك -مطلقاً -تربية حديثة ..!! 
وإذا مازالتم تتفقون معي , فسأقول : 
لكي نحكم على موقف تربوي ما -وكذلك تدريسي - فأهم معيارين لذلك هما :
1-    الغاية أو المقصد أو الهدف منه .
2-    قابليته للقياس .
فعندما نرغب في استخدام موقف تربوي ما , وبعد أن نتأكد من مناسبته لنا وقدرتنا على تطبيقه , فإننا نطبق عليه هذين المعيارين , فإن اجتازهما اعتمدناه وإلا تركناه .., وهنا لن نبالي بالفكر الذي يقف خلفه كائناً ماكان , وستنتعامل معه كما تعامل - صلى الله عليه وسلم - مع خندق سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بل يصبح هذا الموقف ضالتنا ونحن أحق بها , حتى ولو كان يقف خلفه فكر مُلحد ..!!
✋🏻( لحظة لاتمد يدك ولاتسب , وأنا راح أوضح لك ) ..!!
ماقد نقع فيه من خطأ أننا نقوم باستيراد فكر كامل , ثم نحاول أن نطبقه بنظرياته ( وبسلطاته وبابا غنوجه ) على بيئتنا , وهذا الفكر لم ينشأ إلا عبر سياق تاريخي وظروف محددة أفرزته وأفرزت كل توابعه ومواقفه التربوية المُرادة لتحقيق أهدافه , وذلك مايشير إليه عالم الاجتماع الفرنسي ( إميل دوركايم ) الذي صاغ فرضية مفادها أن المجتمع هو الذي يحدد نموذج الإنسان الذي يجب أن تصنعه التربية..!!  ولسنا بصدد محاكمة كل فكر , ولكن -وعلى سبيل المثال - معظم النظريات الحديثة أفرزها الفكر العلماني الذي نشأ هرباً من أتون التسلط الكنسي حينها , وإن كان هذا الفكر قد نجح في تلك الظروف , فليس شرطاً أن ينجح في ظروف غيره , وبالذات ونحن لدينا - كمسلمين - أقوى وأعظم فكر عرفه التاريخ , وهو يعج بالنظريات والأفعال والمواقف التربوية العظيمة , لأن الفكر الإسلامي مرتبط بمرجع عظيم , وهو الدين , فهو بذلك عكس الفكر العلماني الذي قام على رفض المرجعية الدينية , بل ومحاربتها والتخلص منها ..!!
هذه المرجعية الرائعة منحتنا قالباً عظيماً , ومنحتنا حرية مُطلقة في استجلاب أي فكر من أي مكان , وأن نضعه في قالبنا ثم نقوم بتشذيبه ليناسب القالب , وليس أن نأتي بالفكر المستورد كقالب ثم نضع فيه فكرنا ونقوم بتشيذيبه ليناسبه ..!!
هذا القالب , يحمينا -بإذن الله -من بعض الفكر المُدمر , والذي قد يُقصَدُ به في بعض جوانبه , أن يتم تحويل الإنسان إلى مُجرد آلة استهلاكية , أو حتى إلى سلعة تخدم هذه الآلة الشرسة الخالية من القيم ..!!
ولكي يتحقق ذلك , كان لازماً تصدير مواقف تربوية تدعو إلى الحرية المُطلقة ورفض سلطة أي أحد , وتحويل الإنسان إلى قلعة أسرار , لايحق لكائن من كان أن يقتحمها تحت أي ظرف من الظروف , فيتحول المتربي إلى متسلط لامسؤول ولايمكن السيطرة عليه بأي شكل من الأشكال , فيغدو -حرفياً - غنمة قاصية يأكلها الذئب متى شاء ..!!
هذه المقاصد طُبقت على الغرب وحققت نجاحاً مُدهشاً لأهداف من طبقوها , والبعض ظن هذه تربية حديثة ..!!
خذوا من أي مكان ومن أي فكر أي موقف تربوي , ولكن ضعوه في قالب فكركم الإسلامي الأصيل , فإن ناسبه فحيهلا , وإن لا فلا ..!!
يُشاع أن مُعظم ماقيل عن فوائد شرب الحليب , هي محض دعايات من شركات الحليب لترويج سلعتهم , والفكرة صحيحة - ولاأعلم عن الإشاعة - فهناك من يروج للخصوصية والانفتاح والحرية , ولايقصد منها مصلحة المُتربي , بقدر مايقصد سحبه إلى منطقة مُظلمة مُغلقة , يتولى هو فيها السيطرة عليه , ولايعلم الأهل بأي خلل إلا بعد أن يتفاقم وينفجر ..!!
قد تصل - لاسمح الله - إلى ( الولد طلع مدمن مخدرات , البنت حامل ....!!)  فجأة , وكانت هناك بوادر وعلامات , إما لم يلاحظوها إهمالاً , أو لأنهم جُرِدوا من كافة صلاحياتهم في البحث والتدقيق والتفتيش - نعم التفتيش - ( عاجبك عاجبك مو عاجبك أنت اطلع لي برة المقال )😡 , صحيح أن المنهج الوقائي في التربية , والملاحظة الذكية والمتابعة الحكيمة , تُغني - بإذن الله - عن كل ذلك , ولكن إن احتاج المُربي إلى أن يفعل ذلك لمصلحة المُتربي فليفعله , ولاينتظر حتى يصل الأمر إلى مرحلة لايمكن علاجها , وحينها لات حين مندم  ..!!

كونوا مُنفتحين في مواقفكم التربوية على كل فكر , ولاتهاجموا المواقف التي يقف خلفها الفكر القديم , ولايعني إن كان في بعضها شدة وعنف وتسلط , فذلك لايعني أن الجيد منها ليس نافعاً للغاية , فمن تولى تربيتنا قديماً كانت لهم مواقف عظيمة يقف خلف معظمها مزيج من المرجعية الدينية والثقافة المجتمعية المحافظة , وقبل ذلك الكثير الكثير من الحب الحقيقي الواعي الحكيم , وليس العاطفة الحمقاء , فهم وإن كانت لهم مواقف قسوة , ولكن لو طبقنا عليها المعيارين السابقين , فسنجد الغاية منها الخير والإصلاح , ويمكن قياسها بسهولة حسب تعليمهم وثقافتهم حينها ..!!
أيها الأحبة , ثقوا بي ، عندما يصل أولادكم لبر الأمان - بإذن الله - من وعي وفهم وإدراك , سيشكرون لكم مواقفكم , حتى القاسية منها , أوقد يحملونكم مسؤولية تدليلهم المُفرط تحت شعار التربية الحديثة ..!!
أحمد سليمان النجار