أحمد سليمان النجار 

١٠:٤٥ م-٠٥ يناير-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ١٠:٤٥ م-٠٥ يناير-٢٠٢٤       36025

المؤلفة ( جيوبهم ) ..!!

بقلم : أحمد سليمان النجار 

تأليف القلوب بالعطاء المادي استراتيجية ذكية للغاية , وقد اعتمدها الإسلام في مرحلة بنائه وبداية انتشاره وعندما كان ( ابن لبون ) كما وصفه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - مع فئات من المسلمين وغير المسلمين , إما لتثبيت الإيمان في قلوبهم عبر استمالة قلوبهم بالعطاء المادي , كما حدث مع صفوانَ بن أمية حتى قال : 
( واللهِ لقدْ أعطاني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما أعطاني، وإنَّه لأبغضُ النَّاسِ إليَّ، فما برِح يُعطيني، حتى إنَّه لأحبُّ النَّاسِ إليَّ  ) 
أو من غير المسلمين لاستمالتهم للدين أو -على الأقل - لاتقاء شرهم وحماية المسلمين منهم , ولأهمية هذه الاستراتيجية وعِظَمِ أثرها جعلها الشارع مصرفاً من مصارف الزكاة الثمانية , فقال الله جل جلاله :
( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )

وتأليف القلوب لايكون بالمال فقط , بل - أحياناً - يكون بإعطاء الشخص المُستهدف مكانة اجتماعية أو مركزاً مؤثراً , كما حدث مع أبي سفيان - رضي الله عنه وأرضاه - عند فتح مكة ..
 
وعلى الرغم من أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رأى في فترة من الفترات إيقاف هذا الأمر , فالإسلام قد قويت شوكته وصار بزلاً - كما عبر بذلك رضي الله عنه - وماعاد يحتاج لهذه الاستراتيجية , ومن الأولى أن يُعاد توجيه هذا السهم من المصارف  لمصالح المسلمين الأخرى .., إلا أنه - وهذا رأي شخصي - قد تطرأ في بعض الأحوال والظروف , مايستلزم العودة إلى هذه الاستراتيجية لتحقيق هدفٍ ما , صحيح أن فيما أقوله نوع من البرجماتية , ولكنها برجماتية حميدة , ففعلاً في بعض الأحيان نحتاج للعطاء المادي والمعنوي لكي نصل إلى نفس الأهداف التي حققتها هذه الاستراتيجية في بداية الإسلام ..

 ولكن حتى تؤتي هذه الاستراتيجية أُكلها وتحقق المرجو منها - في نظري - لابد من أخذ الشريحة التي تم تطبيقها عليهم في بداية الأمر , فسنجد أن القاسم المُشترك بينهم جميعاً , أنهم من المؤثرين فيمن خلفهم وأنهم من ذوي الأمر والنهي في قومهم , ومع ذلك فهم - حتى مع كفرهم - كرام , عندما تكسب قلوبهم فسوف تضمن - في كثير من الأحوال - أنك قد عقدت معهم عقداً دائماً من الولاء والمحبة , وأنهم لن يتأثروا بمن يعطيهم أكثر منك , فهم سادة أصحاب مبدأ - في معظمهم - وليسوا أتباعاً لمن يدفع أكثر مهما كان ..!!!

ومن هنا نعلم خطورة - حتى على المستوى الفردي - تطبيق هذه الاستراتيجية على أي شخص لكونه مؤثرأً فقط , دون إجراء تقييم حقيقي لمنظومة أخلاقه , بناء على مواقفه الثابتة رغم كل شيء , وليس متقلباً متلوناً آكلاً على كل الموائد ..!!
فهذا النوع قد تنجح فقط في تأليف جيبه وشراء موقفه , لكنك لن تصل لقلبه أبداً مهما فعلت , فهو لايقف على مبادئ يؤمن بها ويدافع عنها , وأنت عندما تستميل قلبه فأنت تحاول إقناعه بفكرتك أوهدفك , أو على الأقل جعله مُحايداً لها , فهذا النوع كالنار شعارها : هل من مزيد ..؟!!
وأخطر مافيه أنه سيتحول - وبدون مقدمات - لعدو شرس لك بمُجَرد توقفك عن إعطائه , أو إذا استطاع خصمك إعطائه أكثر منك , فهو عبارة عن سلعة رخيصة تُباع وتُشترى ..!!
ولكن لو عدنا للفئة التي استهدفها الإسلام في بداية انتشاره , لوجدنا أنهم لم يتحولوا لموقف الضد حتى بعد أن قطع  عمر بن الخطاب  - رضي الله عنه - العطاء عنهم ..!!

وأحياناً يكون استمالة مثل هذه النوعيات الرخيصة له اثر عكسي للغاية ..!! ويكون أفضل منه بكثير الاستعاضة عنهم إما باستقطاب مؤثرين في مجالات مختلفة بشكل غير مباشر , ومهما كانت الكلفة ، لكي تستقطب من خلفهم ، أو بصناعة مؤثرين بوسائل عديدة ثم الاستفادة منهم في تحقيق الأهداف المرجوة ..

ولو عدنا لنفس الآيات التي خصصت للمؤلفة قلوبهم سهماً من الصدقات , لوجدنا أن نفس الآيات تذمُ هذه الفئة الرخيصة التي ذكرتها وفي نفس السياق حيث قال الله تعالى : 
( فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) ..!!

وكما قلت سابقاً هذه الاستراتيجية مقبولة بل ورائعة للغاية وذكية وفاعلة جداً , على كل المستويات  - وحتى على المستوى الفردي والإداري - ولكن لابد من التعامل الحذر معها , ومن الحذر حُسن الانتقاء لهذه الفئة ..!

أبيع نفسي لأول مشترٍ آتي
 أبيع مقهوراً حبيباتي كلماتي
 فليسقط الشعر ولتنهار أبياتي
 فالشعر شعري 
والمأساة مأساتي ..
والحلزونة ياما الحلزونة ..!!😁

أحمد سليمان النجار