

محمد السويعي
هلوسة الذكاء الاصطناعي
في عالم الذكاء الاصطناعي، ظٌهْر مُصطلحٍ يُعرَف بِاسم "الهلوسة" (Hallucinations) كموضوع يحظَى بِاهتمام مُطَوّرِي وَمُستَخْدِمِي نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي. يشيرُ هذا المصطلح، المُقتَبس من عِلم النفس البشري، إلى ميل نموذج الذكاء الاصطناعي إلى إنتاج معلوماتٍ غير دقيقة وغير موثوقٍ بصحتِها، بل غالبًا ما تكون بعيدةً كلَّ البُعد عن سياق مدخلات الأوامر (Prompts) التي يَتلقَّاها مِن المُستخدَم. في هذا المقال، نتعرف على ما يعنيه مصطلح "الهلوسة" في الذكاء الاصطناعي التوليدي وأسبابها وتداعياتها، نستعرض الجهود المُستمرة للتخفيف من آثارِها.
فهم الهلوسة في الذكاء الاصطناعي:
يُشِير مُصطلح "الهلوسة" في الذكاء الاصطناعي إلى الحالات التي يقوم فيها نموذج الذكاء الاصطناعي بإنشاء مخرجات أو أجوبة غير متوقعة أو غير ذات صلة بموضوع السؤال المراد الإجابة عنه، وتكون هذه المخرجات ليس لها أي أساس في تدريب الذكاء الاصطناعي أو مدخلاته. على عكس الهلوسة البشرية، والتي هي تجارب إدراكية دون مُحفزات خارجية وتكون الأسباب مرتبطة بالحالة النفسية أو العصبية أو الظروف الفسيولوجية للفرد، بينما الهلوسة في الذكاء الاصطناعي هي نتيجة لآليات خاطئة لمعالجة البيانات من قِبل نموذج الذكاء الاصطناعي وترتبط أسبابها بشكل أساسي إلى الطريقة التي تم بها تدريب النموذج وجودة وتنوع البيانات المستخدمة في التدريب، وكيفية تصميم خوارزميات النموذج.
أسباب الهلوسة:
غالبًا ما يُمكِن إرجاع جذور الهلوسة في الذكاء الاصطناعي إلى عَدمِ جودة مجموعة البيانات التي دَرْبا عليها، حيثُ تتعلَّم نماذج الذكاء الاصطناعي من مجموعة من البيانات. إذا كانت مجموعة البيانات في نموذج الذكاء الاصطناعي مُعيبةً، أو مُتحيزةٍ، أو غير كاملةٍ أو تحتوي على أخطاء أو تفتقر إلى التنوع، فيمكن للذكاء الاصطناعي تعلم فهم منحرف لموضوعات معينة من هذه العيوب ويكررها في مخرجاته، مما يؤدي إلى داء الهلوسة في النموذج وبالتالي تؤدي إلى إنشاء ارتباطات غير مُتوقعة أو تجد أنماط لا وجود لها.
وكما يُعتبر الحجم الكبير للمعلمات (Parameters) له أثر إيجابي في المخرجات الإبداعية للنموذج إلا أن الحجم الكبير في المعلمات ربما يؤثر في جودة مخرجات البيانات وحدوث هلوسة في النموذج إذا لم يتم ضبطها وتعامل معها بشكل جيد.وكذلك أحياناً، يواجه نموذج الذكاء الاصطناعي تحدياً آخر وهو عدم وضوح في مدخلات الأوامر Prompts)) مِن قبل المُستخدَم وصعوبة فهم سياقها، تماماً كما هو عند البشر عند التفسير الخاطِئ للمعلومة المتلقاه مما يؤدي غالبًا إلى تخمين مٌخرجات غيرِ مُتوقعة وغير ذات صِلَة أو لا معنىً لها.
آثار الهلوسة:
إن الآثار المُترتبة على هلوسة الذكاء الاصطناعي واسعة ومُتنوعة، وتتراوح في الضَّرَر من عالي الضرر إلى قليل الضرر. فمثلاً، في مجالات مثل الصحافة، أو الرعاية الصحية، أو المجال الأكاديمي، أو المشورة القانونية يمكن أن تُشَكل هلوسة الذكاء الاصطناعي تحديات أمام دقة المعلومات وموثوقيتها وقد يؤدي الاعتماد على المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي والذي قد يسبب الهلوسة إلى عواقب وخيمة في العالم الحقيقي.
معالجة هلوسة الذكاء الاصطناعي:
مع استمرار الذكاء الاصطناعي التوليدي في التقدم، سيكون فهم الهلوسة ومعالجتها أمرًا بالغ الأهمية. وقد تركزت معالجة الهلوسة في الذكاء الاصطناعي على ما يلي:
1. جودة بيانات التدريب: أَنَّ تحسين جودة وتنوع بيانات التدريب تٌسَاعد النموذج على فهم سياق مدخلات الأوامر بشكل أفضل وتقليل احتمالية الهلوسة وإنشاء محتوى لا أساس لهُ من الصحة.
2. ضبط أداء النموذج: يُمكن أن يساعد ضبط أداء النموذج وتدريبه على مجموعة بيانات متنوعة وخالية من الأخطاء وغير مُتحيزة لفئة معينة في توليد مخرجات أكثر دقة. وكذلك أيضاً، وضوح ودقة مدخلات الأوامر مِن قبل المُستخدَمتُساعد النموذج على الأداء الجيد والابتعاد عن تخمين مخرجات غير ذات صلة أو لا معنى لها.
3. الرقابة البشرية: حاليًا، إحدى أكثر الطٌّرُق فعَّاليةً للتخفيف من المخاطر المرتبطة بهلوسة الذكاء الاصطناعي هي المراجعة البشرية وردود الفعل حيث تساعدمُطوّري نماذج الذكاء الاصطناعي من تحديد الهلوسة وتصحيحها، مما يضمن موثوقية مخرجات الذكاء الاصطناعي.
4. الشفافية وقابلية الفهم: جعل أنظمة الذكاء الاصطناعي أكثر شفافية وقابلية للفهم من قبل المستخدم يساعد في التقليل من المخرجات غير المتوقعة.
5. الأطر الأخلاقية والحوكمة: مما لا شك فيه فإن حوكمة وتطوير المبادئ التوجيهية والأطر الأخلاقية للذكاء الاصطناعي تساعد بشكل كبير على موثقية ودقة المخرجات للذكاء الاصطناعي.
نحو مستقبل أكثر فهماً لأسباب الهلوسة وعلاجها:
لا شَك في أَنَّ مُسْتَقبل أبحاث الذكاء الاصطناعي سيتضمن اِسْتِكْشافًا أَعمقَلأسباب الهلوسة وعلاجها لأنها مشكلة تقنية تتعلق بكيفية معالجة البيانات، ومع تطور فهمنا للذكاء الاصطناعي وأعماله، ستتطور أيضًا قدرتنا على إنشاء نماذج توليدية أكثر موثوقية ودقة. إن الرحلة نحو تحقيق هذا الهدف مثيرة بقدر ما هي ضرورية، وتبشر بمستقبل يمكن الوثوق فيه بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في مجموعة من المهام دون التعرض لخطر الهلوسة المضللة. فإن فهم ظاهرة الهلوسة ومعالجتها سيكون أَمرًا بَالِغ الأهمية لِضَمَان اَلنَّشْر الآمِن وَالمسؤُول للتكنولوجيا المستقبلية.

