

محمد السويعي
بقلم: محمد السويعي
شهد موسم حج عام 1446هـ تحولًا نوعيًا في أساليب التنظيم والإدارة، حيث لعبت التقنية دورًا جوهريًا في تسهيل رحلة الحجاج وضمان أمنهم وراحتهم، من اللحظة الأولى لوصول الحجاج إلى الأراضي المقدسة، لمس الجميع أثر التطور الرقمي في كل تفاصيل الرحلة، فالتطبيقات الذكية مثل "نسك" و"توكلنا خدمات" ساعدت الحجاج على الوصول الفوري إلى كافة المعلومات المتعلقة بالسكن، والتنقل، والمواقيت، والرعاية الصحية، والفتاوى، بلغات متعددة وواجهة سهلة الاستخدام، مما قلل الحاجة للسؤال والبحث، وأضفى طابعًا من التنظيم والدقة على التجربة الإيمانية.
هذا الاعتماد المتزايد على الحلول التقنية لم يكن مقتصرًا على تسهيل شؤون الحجاج فقط، بل شمل أيضًا الرقابة والضبط الأمني، حيث تمكّنت الأجهزة المختصة من توظيف أنظمة التصاريح الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في التحقق الفوري من الحجاج النظاميين، وضبط محاولات التسلل إلى المشاعر دون تصريح رسمي، وقد أعلنت وزارة الداخلية عن نجاحها في منع الآلاف من المخالفين من أداء الحج دون إذن، مما أسهم في تعزيز العدالة التنظيمية وضمان سلامة الجميع. الإجراءات كانت حازمة، والرسالة واضحة: لا حج دون تصريح، ولا مجال للتهاون.
ما تحقق على أرض الواقع كان نتاج تعاون استثنائي بين مختلف الجهات الحكومية، أجهزة الأمن كانت في قلب الحدث، تؤدي واجبها بكفاءة عالية، والفرق الصحية قدمت خدماتها بلا انقطاع، فيما عملت الكوادر التقنية خلف الكواليس على إدارة البيانات وتوجيه الحشود بذكاء ودقة، إضافة إلى حضور آلاف المتطوعين الذين أضفوا على المشهد روح العطاء والمحبة، الجميع تحرك ضمن منظومة واحدة، هدفها الأسمى خدمة ضيوف الرحمن وتيسير حجهم في أمن وطمأنينة.
لقد عكس موسم حج 1446هـ صورة ناصعة ومشرّفة تعكس كفاءة المملكة العربية السعودية وأبنائها في إدارة شعيرة الحج بكل اقتدار ومهنية، لم تكن التقنية هذا العام مجرد وسيلة مساندة، بل كانت عنصرًا جوهريًا في تحقيق النجاح، أسهمت في تعزيز الانضباط، وتقليل المخاطر، وتوفير تجربة آمنة وميسرة للحجاج، دون أن تفقد تلك الرحلة طابعها الروحاني، لقد شهد العالم مثالًا حيًّا على التوازن بين الإيمان والتقدم، بين التنظيم والإنسانية، وكيف يمكن للتقنية أن تكون أداة في خدمة الإنسان لا بديلاً عنه، وقد برز هذا الموسم كدرس عملي في التكامل بين الجهات، ونموذج فريد في تحقيق الإنجاز، ورسالة واضحة بأن المملكة مستمرة في تطوير منظومة الحج بثقة وعزيمة، ما قدمته المملكة خلال هذا الموسم ليس سوى امتداد لنهج راسخ في إدارة الحشود بروح المسؤولية، والعطاء، وبُعد النظر نحو مستقبل أكثر تنظيمًا وابتكارًا.

