الكاتب : محمد السويعي
التاريخ: ٠٤:٣٤ م-٢٧ أغسطس-٢٠٢٥       5775

بقلم: محمد السويعي     
لماذا ترتفع أصوات المشككين كلما أعلنت السعودية عن خطوة جريئة في الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي؟، لأنهم ببساطة لا يفهمون أن السعودية لم تدخل هذا الميدان لتكون زبوناً في طابور الشركات الأجنبية، بل لتصنع لنفسها سيادة رقمية لا يملكها إلا من استثمر بجرأة وصبر.
إطلاق نموذج علاّم «ALLaM» عبر تطبيق « Humain Chat»  ليس مجرد تقليد لـ ChatGPT أو منافسة لـ Google Gemini إنه إعلان سيادي بأن لغة العرب وبياناتهم لن تبقى تحت رحمة خوارزميات غربية. النموذج يدعم اللغة العربية الفصحى واللهجات السعودية والعربية المتعددة بهدف خدمة اللغة العربية إقليميًّا وعالميًّا وتمكينها ونشرها والمحافظة عليها، ومُهيأ ليخدم عدة دوائر حكومية مثل القضاء، الصحة، التعليم، وغيرها. 
أي أن المملكة العربية السعودية اختارت أن تضع أكثر قطاعاتها حساسية تحت حماية تقنية وطنية، وهذا وحده كافٍ لإسكات أي جدل حول جدوى المشروع.
لكن المشككين يرددون أسطوانتهم المشروخة؛ الكلفة مرتفعة، والرقائق نادرة، والمنافسة مستحيلة. هذا كلام يصلح في غرف الجدل، لا في ساحات بناء المستقبل. السعودية لا تنفق المليارات لمجرد رفاهية تقنية، بل لتؤسس منظومة كاملة؛ مراكز بيانات جبارة، اتفاقيات توريد رقائق، وسلسلة قيمة متكاملة تمتد من البنية التحتية إلى التطبيقات.
نحن لا نتحدث عن تطبيق دردشة، بل عن عصب رقمي استراتيجي سيخدم الاقتصاد لعقود.
أما من يطرح خيار الاستحواذ على شركات ناشئة بدلاً من بناء نموذج وطني من الصفر، فهو يتجاهل أن المملكة تتحرك في الاتجاهين معاً، تبني أساسها السيادي من جهة، وتستثمر في الشركات الناشئة من جهة أخرى. إنها رؤية بعيدة المدى لا صفقة سريعة.
الحقيقة أن السعودية لا تقيس نجاحها بعدد البارامترات ولا بمقارنة مع GPT-5 وغيرة. معيارها أوضح وأدق، حيث يمتاز علاّم بتفوقه في المخزون العربي لمجموعة البيانات مقارنةً بـ ChatGPT و Google Gemini، ما يمنحه أفضلية في فهم النصوص العربية. 
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يخدم «علاّم» المواطن السعودي بلغته العربية ولهجته المحلية؟ هل يضمن بقاء بيانات المملكة داخل حدودها؟ هل يفتح الطريق أمام مطورين سعوديين لصناعة تطبيقات محلية فوق منصة وطنية؟ إذا كانت الإجابة بنعم ــــــــــــ فهذا يعني أن السعودية حققت نجاح من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي وألجمت المشككين الذين يثرثرون في غرف الجدل.
من يصف المشروع بالمغامرة الخاسرة لا يدرك أن السعودية تبني سلاحها الرقمي السيادي بوعي وإصرار، وأنها لن تنتظر أحداً ليكتب مستقبلها. السعودية ماضية في هذا الطريق بثبات لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي عربي يعكس ثقافتنا وقيمنا العربية، وستخط نموذجاً عربياً يُحتذى به، وعلى بقية الدول أن تلحق بالركب إن أرادت أن تبقى فاعلة في عالم لا يعترف إلا بمن يصنع أدواته بنفسه.