النهار
بقلم - عبدالمحسن محمد الحارثي
يقول الفلاسفة إن الأحداث الكبرى لا تنتظر التاريخ كي يكتبها ، بل تكتب تاريخها بنفسها.
وهذا تماماً ما شهدناه عند اختتام زيارة ولي العهد السعودي، زيارة لم تضع نقطة النهاية، بل وضعت أول السطر في فصول جديدة من السياسة والاقتصاد والسلام العالمي.
فالصفقات ومذكرات التفاهم التي وُقعت كانت أشبه بأوتار تعزف لحناً واحداً:
أن العالم يتجه نحو الرياض بثقة أكبر من أي وقت مضى، وأن الفرص القادمة لا تنتظر طارقاً، بل تذهب إليه.
ثقة تُزهر..وفرص تنمو كما ينمو النور عند الفجر
لقد رسّخت الزيارة قناعة عالمية بأن المملكة اليوم مركز ثقة وممر رؤى.
وكما قال بيتر دراكر: «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه».
والسعودية لا تصنع مستقبلها فحسب، بل تفتح أبوابه للعالم في إطار تعاون هادئ يحترم التوازن الدولي.
إنها مرحلة تتجلى فيها مقولة كينز: «الفرصة لا تزور المترددين».
فالفرص اليوم تشبه غيمة محمّلة بالمطر، من أحسن استقبالها نال الغيث، ومن تلكّأ وجد نصيباً أقل مما كان ممكناً.
شراكات بدأت مهرولة… وتحولت إلى صمت حكيم
كانت الأيام الأولى للجولة أشبه بسباق للوقت ، هرولة في توقيع مذكرات التفاهم، وتقدّم سريع في تثبيت الشراكات.
ثمّ هدأت الأصوات، لا لأن الحركة توقفت، بل لأن الصمت أحياناً أبلغ من البيان.
يقول الحكيم: «الأعمال العظيمة تنضج بعيداً عن الضجيج»، ولهذا دخلت أغلب الاتفاقات مرحلة عمل داخلي صامت، لكنه مستمر ؛ هرولة مستمرة ولكن بلا صوت.
وما يُقال لا يُعلن، وما يُعلن لا يكشف كل التفاصيل..فالأسرار التجارية جزء من نجاح أي مشروع، والفرص الكبرى تُستثمر في الظل قبل أن تظهر في الضوء.
تشكيلة قطاعات..تُعيد للأذهان قول ابن خلدون: “العمران تُحييه الصنائع”
لم تكن الزيارة اقتصادية فحسب، بل كانت لوحة متكاملة الأبعاد.
قطاعات رقمية، تقنية، صحية، عسكرية، ولوجستية..أشبه بسيمفونية متعددة الآلات تُعزف بتناغم واحد.
• في التقنية والرقمنة: بناء قواعد المستقبل.
• في الصحة: نوافذ ابتكار وتوطين الخبرات.
• في الصناعات العسكرية: سيادة تكنولوجية تتقدم بخطى ثابتة.
• في الخدمات اللوجستية: تحويل المملكة إلى نقطة ارتكاز للتجارة العالمية.
إنها رؤية لا تسير على طريق واحد، بل على شبكة طرق تؤدي كلها إلى أفقٍ واحد: الاستقرار والنمو والسلام.
مكتسبات لا تحتاج إلى شاهد..فهي الدليل على نفسها
تذكّرنا هذه الجولة بقول جيف بيزوس: «التقدم يُقاس بما تبنيه..لا بما تقول».
وما بُني في هذه الزيارة كان بحجمٍ يليق بدولة تصنع مكانتها لا بالكلام، بل بتحويل التفاهمات إلى استراتيجيات، والاستراتيجيات إلى مشاريع، والمشاريع إلى واقع.
تصنيفات ارتقت، شراكات ترسخت، تفاهمات توسعت، مبادرات تنوع..
حتى بات واضحاً أن هذه الجولة لا تُختتم نتائجها.. بل تتوالى على شكل موج هادئ، لكنه لا يتوقف.
السلام..نبع الفرص ومحرّك الازدهار
لم تكن الزيارة مواجهة مع أحد، ولا منافسة على حساب أحد.
كانت إعلاناً ناعماً بأن العالم يتسع للجميع، وأن السلام ليس غياب الصراع، بل وفرة في العلاقات العادلة كما قال أيزنهاور.
وفي لحظة عالمية تحتاج إلى التوازن أكثر من القوة، جاءت هذه الجولة لتقول بلغة بسيطة وهادئة:
إن المملكة تمدّ يدها للعالم .. لا لسباق، بل لشراكة..لا لصراع، بل لتعاون.. لا لصوت مرتفع، بل لعملٍ يثمر على المدى البعيد.
ولهذا قال مانديلا: «النجاح لا يحتاج إلى ضجيج..صدى نتائجه كافٍ».
خاتمة..لمن يُحسن اقتناص اللحظة
يقول المثل العربي: «الفرصة تمرّ مر السحاب»، والسحاب مرّ..لكنه هذه المرة أمطر.
ومن لم يُحسن اقتناص هذه اللحظة ؛ فسيجد نفسه على هامش مشهد كبير كان يمكن أن يكون في قلبه.
فالزيارة لم تكن إعلاناً عن نهاية شيء..بل بداية كل شيء.
بداية الثقة، بداية الشراكات، بداية الفرص، وبداية فصل جديد في علاقة المملكة بالعالم..علاقة قوامها السلام والنماء والعمل المشترك.