النهار

٢٠ نوفمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٢٠ نوفمبر-٢٠٢٥       3245

بقلم - غالب محمد طه

لم يكن انتشار هاشتاغ #السودان-بقلب-بن-سلمان مجرد تفاعل لحظي يمر مرور الكرام على منصات التواصل الاجتماعي، بل كان تعبيرًا صادقًا عن شعور راسخ ومتجذّر في وجدان السودانيين تجاه المملكة، وامتدادًا لمشاعر قديمة لا تفصلها حدود ولا يمكن قياسها بزمن، إذ بدا وكأنه صوت خرج من القلوب قبل أن تصل الكلمات إلى الشاشات، صوت يلمح إلى أن الرياض، كما كانت دائمًا، تمثل مركز الثقل العربي الذي يلجأ إليه الناس حين تختلط الحسابات وتتعدد الأزمات، وتصبح القرارات الكبرى مرتبطة بالحكمة والقدرة على التحرك الفعلي لا بالكلمات وحدها، وهو ما يجعل السودانيين يراهنون على أن الاهتمام الصادق والدعم الفعلي من المملكة سيكون بوابة للحفاظ على الدولة واستعادة الاستقرار وإعادة بناء المستقبل.
وبالأمس القريب كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان طلب منه التدخل بشكل مباشر لوقف الحرب في السودان، مؤكدًا في حديثه معه أن السودان يحمل حضارة عميقة وتاريخًا ضارب الجذور، وأن معاناة شعبه خلال هذه الحرب التي قلبت حياة الملايين لم تعد مجرد أرقام أو أخبار، بل حقيقة ملموسة يجب أن ينظر إليها المجتمع الدولي بعين المسؤولية، وأن يُعطى لها الاهتمام الذي تستحقه، ووفق ما رواه ترمب، لم يمضِ أكثر من نصف ساعة بعد المكالمة حتى بدأ البيت الأبيض في إعادة فتح الملف السوداني والنظر فيه بجدية أكبر، وهو ما يعكس حجم الدور الذي باتت المملكة تلعبه في الملفات العربية الحساسة، ويدل على حضور ولي العهد الفعلي في القضايا التي تتطلب قرارًا عربيًا مؤثرًا وموقفًا واضحًا.
وليس خافيًا على أحد أن العلاقة بين السودان والمملكة ليست وليدة ظرف سياسي عابر أو مصالح مؤقتة، بل هي امتداد طبيعي لعقود من الاحترام المتبادل والروابط الإنسانية العميقة التي نسجتها السنوات، فقد عرف الشعبان بعضهما من خلال الثقافة والدين والقيم المشتركة، وتوطدت بينهما صلات اجتماعية وتعليمية وإنسانية متشابكة صنعت ذاكرة مشتركة لا تنقطع، ومن هنا ينبع الامتنان الذي يعبر عنه السودانيون اليوم تجاه المملكة وقيادتها، امتنان طبيعي لعلاقة راسخة تجعل أي موقف سعودي لدعم السودان أمرًا أصيلًا، يستحق التقدير والاحترام، ويؤكد عمق الارتباط والتفاهم بين الشعبين.
الكل شاهد ما تعرض له الشعب السوداني من اغتصاب وقتل وتهجير قسري، وتبديد للممتلكات، وجرائم ترتجف لها القلوب، وهو ما جعل تسمية هذه الحرب بـ"حرب الكرامة" تصبغ المعركة بصبغة واقعية تعكس مقاومة السودانيين لحرب فُرضت عليهم، ودفاعهم عن وحدة الدولة وكرامتهم أمام ما حاولت بعض القوى فرضه عليهم، وفي هذا السياق كان دور المملكة العربية السعودية وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بارزًا، حيث تجلى في تقديم المساندة العملية لحماية المدنيين واستعادة الاستقرار، وتحريك المبادرات الإقليمية والدولية لدعم السودان، بما يؤكد التزام السعودية بواجبها الإنساني والدبلوماسي تجاه الأشقاء في لحظات الأزمات المصيرية.
وليس غريبًا أن تتجلى هذه القدرة السعودية في قيادة الملفات الإقليمية الحاسمة، فقد سبق للرياض أن لعبت دورًا محوريًا في رفع الحظر عن سوريا، وهو إنجاز يعكس تأثير المملكة وقدرتها على صناعة القرار العربي، وفي ذات النهج، يتجلى اليوم دورها في دعم السودان، حيث تعمل على تحريك الأطراف الدولية والإقليمية لحماية المدنيين واستعادة الاستقرار، لتؤكدً الرياض مجددا بانها ليست عاصمة للدبلوماسية، بل عاصمة القرار العربي الفعلي التي تصنع الفارق عندما تتطلب الأزمات موقفًا صادقًا وفاعلًا.
وفي هذه اللحظة الحرجة، يظهر الدور السعودي بوضوح وتأثير ملموس، فالدبلوماسية السعودية لم تعد مقتصرة على إصدار البيانات أو المبادرات النظرية، بل أصبحت سياسة قائمة على الفعل الفعلي. وقدرة المملكة على تحريك الأطراف الدولية وصنع التوازنات في الملفات الحساسة أصبحت واضحة للجميع، واستجابة واشنطن لاقتراح ولي العهد حول السودان تعكس هذا التأثير المباشر، وتثبت أن الصوت العربي، عندما يكون صادقًا ومتماسكًا، لا يُسمع فحسب، بل يُحسب له حساب.
إن ما يجمع المملكة بالسودان أكبر من أي حسابات سياسية عابرة؛ فهو شعور بأن ما يحدث في بلد شقيق يؤثر في المنطقة بأسرها، وحين يشتد الخطب، تبقى المملكة الصوت الذي تطمئن له القلوب، واليد التي يعرف الجميع قدرتها على صناعة الفرق.
ولذلك، لم يكن هاشتاغ #السودان-بقلب-بن-سلمان مجرد شعار رُفع على منصات التواصل، بل كان تلخيصاً دقيقاً لقلبٍ ممتن لوقفة تاريخية تليق بعمق العلاقة بين البلدين، وتأكيدًا على أن السودان حاضر في صميم الاهتمام السعودي، وأن الروابط التاريخية والثقافية بين الشعبين تترجم دائمًا إلى تضامن عملي وواقعي.
شكراً لسمو الأمير محمد بن سلمان على جعل السودان في قلبه... وشكراً للشعب السعودي الشقيق الذي جعل من السعودية دائماً داراً للعرب جميعاً.