النهار

١٧ نوفمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٧ نوفمبر-٢٠٢٥       8745

بقلم -عبدالمحسن محمد الحارثي

في الطائف، حيث تُصافح الجبالُ السماء، ويهبّ من التاريخ نسيمٌ يلمس الأرواح قبل الوجوه ؛ يطلّ الشيخ أحمد العبيكان، لا كشخصٍ عابر في سجلّ المجتمع، بل كاسمٍ ينهض كالعَلم، وكقيمةٍ اجتماعية صارت واجهةً للمحافظة، وصوتًا حاضرًا في المملكة والخليج والعالم العربي بأسره.

وُلِد في بيتٍ تفيض جنباته بالخير؛ أمٌّ داعيةٌ تُربي بالقول والفعل، وأسرةٌ بعضها من بعض، كأنهم خيطٌ ممتد من نور، يتوارثون الإحسان كما يتوارث الليلُ نجومه. 

وبرغم ما كان للحياة من يُسرٍ بين يديه ؛ اختار أن يصعد لا على سُلّم السهولة، بل على سُلّم العصامية، فشبّ وهو يهمس لنفسه: “ليس الغنى ما في اليد، بل ما تتركه يدك وراءها من أثر".

ومشى الشيخ أحمد في دروب العطاء كما يُمشى في طريقٍ يعرفه القلب قبل الخطوات؛ شراكاتٌ مجتمعية واسعة، وتبرعاتٌ يزكّيها صدق القصد قبل قيمة العطاء، يقدّم بعضها في الخفاء، ويُظهر بعضها امتثالًا للآية الكريمة:

﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾

وكأنه يقول للناس : إن من حقِّ الخير أن يُرى، ومن حقِّ النفوس أن تُذكّر، وإنّ النوايا الطيبة إذا أعلنت صدحت بالحكمة: “الكرم لا يُقاس بالكثرة، بل بالنية التي سبقت الكفّ".

ولعل من أعذب صفحات سيرته تلك السُّفرة الرمضانية التي امتدّت عقودًا، مائدةٌ لا تستقبل أشخاصًا فحسب، بل تُرحّب بالقلوب كما تستقبل الأرضُ المطر. 

هناك يتجلى الحديث الشريف: “خير الناس أنفعهم للناس". 

وفي كل موسم، تكتب هذه المائدة سطرًا جديدًا من الرحمة، كأن رمضان لا يكتمل إلا بظلّها.

ولأن العلاقات الصادقة هي رأس المال الذي لا ينفد ؛ اتسعت دوائر محبّي الشيخ أحمد ومعارفه في المملكة والخليج والعالم العربي كله، علاقاتٌ لم تُبنَ على مصلحة، بل على حضورٍ يأسر، وبشاشةٍ تسبق الكلمة، ومزاحٍ يخفف وطأة اللحظات. 

ومن يعرف ابتسامته يدرك معنى المقولة: “هنالك أشخاصٌ يمشون بين الناس كأنهم يُنبتون السلام".

أما عاطفته ؛ فهي من تلك التي تجعل اللقاء دفئًا، والكلمة جسرًا، فتشعر معه بأنك قريب وإن بَعُدت، وأنك حاضر وإن طال الغياب.

ومؤخرًا .. وقد خرج من عملية قلب مفتوح بفضل الله سالمًا معافى ؛ أوصى الأطباء بوقف الزيارة نحو شهرين، لكن المحبة لا تُوقَف بتوصية .. إنها تتسرب من أبواب لا تُرى، وتصل بالدعاء والرسائل، من محبيه، ومن الذين يميلون إليه، ومن الذين لا يميلون إليه؛ فبعض الرجال يفرضون احترامهم حتى على المختلفين. 

وكأن سيرته تردد:“القيمة الحقيقية للإنسان تُقرأ في أعين الآخرين، لا في سجلات أمواله".

وما أجمل أن يأتيك من يحبّك ليقول: الحمد لله على سلامتك!!

فثمّة زيارات تُشفي قبل الدواء، ودعوات تُطمئن قبل انتظام نبض القلب. 

وما يعود إلى الشيخ من محبة ؛ إنما هو صدى أعماله، وامتداد طيب أثره، وتصديقٌ لحكمة خالدة: “العطاء الذي يخرج من القلب، يعود إليه مضاعفًا". 

وهكذا يمضي الشيخ أحمد  العبيكان  ؛ يكتب تاريخ قلبه قبل تاريخ أعماله، ويترك في الناس أثرًا يبقى، وكأنّما قيل فيه:

“إنما يبقى من الإنسان ما قدّمه للإنسان".

وذلك هو المجد الحقيقي..مجدُ الخُلق، ومجدُ الأثر، ومجدُ الإنسان حين يكون قيمةً تتجاوز اسمه!!