النهار
بقلم - المستشار عبدالله بن محمد آل الشيخ
لم تعد التحوّلات الدولية تُقرأ بمعزل عن الرياض، فالسعودية اليوم ليست دولة تبحث عن موقع في خريطة القوى؛ بل قوةٌ تعيد تشكيل تلك الخريطة. وجاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – إلى الولايات المتحدة الأميركية، لتقدم للعالم مثالًا حيًا على هذا التحوّل، ولتفتح فصلًا جديدًا في تاريخ العلاقات بين البلدين.
لشراكة تتجاوز البروتوكول… وتدخل عمق التحالف
حيث كشفت الزيارة منذ لحظاتها الأولى أن أجندتها تختلف عن زيارات الودّ التقليدية؛ فالنقاشات كانت مباشرة، والملفات كانت عميقة، والمخرجات حملت لغة المستقبل. لم تعد العلاقة السعودية–الأميركية علاقة مصالح ظرفية، بل شراكة استراتيجية تُبنى على وضوح الرؤية وثبات الموقف، وعلى الثقل السياسي والاقتصادي الذي باتت تمثله المملكة في محيطها والعالم.
لدور سعودي يعيد ضبط المشهد الإقليمي
في الملفات السياسية والأمنية
حيث وقف سمو ولي العهد الأمين
على خطوط التماس الحقيقية في المنطقة. وقد أظهرت اللقاءات مع القيادات الأميركية أن السعودية اليوم هي الضامن الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط، وأن واشنطن ترى فيها شريكًا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة
تخص الإقليم.
هذه المكانة لم تأتِ من فراغ؛ بل من دبلوماسية واعية، وقرارات تُصنع بوزن الدولة، وقدرة على تحويل التحديات إلى فرص، ورؤية لا تقبل إلا بالعمل الميداني الملموس.
لاقتصاد المستقبل…
ومركز جذب عالمي
اقتصاديًا، حملت الزيارة رسالة واضحة:
رؤية 2030 لم تعد خطة وطنية، بل منصة اقتصادية عالمية، أصبحت فيها السعودية جاذبًا رئيسيًا للاستثمارات الأميركية في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والصناعات المتقدمة.
وقد عبّرت الشركات الأميركية الكبرى خلال المنتدى السعودي الأميركي عن رغبتها في توسيع حضورها داخل المملكة، بعدما أصبحت الرياض في مقدمة مؤشرات التنافسية وجاذبية الاستثمار عالميًا.
موقف إنساني… وعقلية دولة مسؤولة
وعلى الصعيد الإنساني، جاءت دعوة سمو ولي العهد للرئيس دونالد ترامب للتدخل الحاسم لإنهاء مأساة السودان، لتؤكد أن السياسة السعودية ليست محكومة بمصالح ضيقة، بل برؤية تضع كرامة الإنسان في أولوية المواقف، تمامًا كما فعلت المملكة في دعم الحلول في الملف السوري وغيره من الأزمات الإنسانية.
منظومة أمنية سعودية مستقلة… وشراكة محسوبة
كما شهدت الزيارة تطويرًا لملفات التعاون الأمني والعسكري، بما يعزز حماية الممرات البحرية ويواجه التهديدات العابرة للحدود. وهو تعاون يعكس سياسة سعودية جديدة:
تحالفات مرنة… ومنظومة أمنية مستقلة تُبنى وفق المصلحة الوطنية أولًا.
خاتمة: زيارة تُكتب في التاريخ
لا مبالغة في القول إن زيارة ولي العهد إلى واشنطن كانت واحدة من أهم الزيارات الدبلوماسية في العقد الأخير. فهي زيارة:
أعادت صياغة الشراكة مع واشنطن،
وعزّزت مكانة المملكة عالميًا،
وقدّمت للعالم صورة أكثر وضوحًا عن السعودية الجديدة:
دولة تصنع القرار، وترسم ملامح المستقبل، وتمتلك القدرة على التأثير في الساحتين الإقليمية والدولية.