النهار

٢٠ نوفمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٢٠ نوفمبر-٢٠٢٥       4620

بقلم - ريم المطيري

في العلاقات الدولية، لا تُقاس الرسائل السياسية بما يُقال في البيانات الرسمية فقط، بل بما يُبث عبر لغة الجسد—وهي اللغة الأكثر صدقًا وتأثيرًا في لحظات التفاوض وبناء التحالفات.
ومع الزيارة الأخيرة لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ظهرت مجموعة من الإشارات غير اللفظية التي تعكس تحولًا مهمًا في طبيعة العلاقة بين الرياض وواشنطن: من علاقة تعتمد على التوازنات التقليدية… إلى شراكة متوازنة قائمة على النفوذ المتبادل والرؤية الطويلة المدى.

1. توازن جديد في أرض اللقاء

تُظهر الصور الثابتة ولقطات الفيديو الخاصة باللقاء اتساع وضعية الجلوس لدى سمو ولي العهد، وثبات الجذع، وتوجيه القدمين نحو المتحدث.
هذه الإشارات—بحسب جو نافارو (Joe Navarro)، أحد أبرز محللي لغة الجسد في العالم—تعكس مستويات عالية من الثقة والسيادة والسيطرة على مساحة الحوار
مقابل ذلك، بدا ترامب في وضعية أكثر انضباطًا، مع تراجع طفيف في الكتفين وغياب إشارات الهيمنة المعتادة في حضوره السياسي.

هذه الدلالات الحركية لا تأتي عفوية، بل تُظهر انتقال المملكة إلى موقع “الطرف الأقوى تأثيرًا” في المشهد التفاوضي.

2. حضور بصري ينسجم مع رؤية المملكة

توجيه النظرات، ثبات الوقوف، وعدم التراجع الحركي—وهي عناصر يركز عليها آلان وباربرا بيز في كتابهما The Definitive Book of Body Language—تعكس قدرة الطرف السعودي على فرض سرديته داخل الإطار الدبلوماسي.
في هذا اللقاء، لم يكن سمو ولي العهد متلقّيًا للرسالة، بل منتجًا لها.

هنا تتجلى رؤية المملكة 2030: شريك يمتلك القرار، لا مجرد حليف تقليدي في المعادلة السياسية.

3. انعكاس مباشر على السياسة الخارجية السعودية

لغة الجسد التي ظهرت في اللقاء تتماهى تمامًا مع التوجه السعودي الحالي نحو بناء تحالفات متوازنة، وتنويع الشراكات الاقتصادية، وتكريس موقع المملكة كقوة إقليمية ذات تأثير دولي.
فبحسب علماء الاتصال السياسي مثل براين مكنير (McNair, 2017)، فإن الحضور غير اللفظي للقادة يؤثر في تشكيل الانطباعات الدولية بقدر تأثير الخطاب السياسي نفسه.

هذه الإشارات البصرية عززت سردية المملكة الجديدة: دولة تقود التحولات، لا تواكبها وحسب.

لغة الجسد ليست تفصيلاً تجميليًا، بل جزء من الرسالة السياسية.
وفي اللقاءات رفيعة المستوى، تُقرأ الإشارات غير اللفظية عالميًا كما تُقرأ البيانات الرسمية تمامًا.
ولذلك، فإن فهم هذه الرسائل يمكّن المتخصصين من تحليل التحولات في العلاقات الدولية بدقة أعلى، وربطها بالسياق الاستراتيجي العام.
اللقاء بين سمو ولي العهد وترامب لم يكن مجرد مشهد بروتوكولي، بل بيان قوة مرئي يعكس موقع المملكة الجديد في العالم:
موقع يرتكز على النفوذ، والوضوح، وإعادة تعريف طبيعة الشراكات على أساس المصالح المتوازنة.

وفي زمن تتجاوز فيه الدبلوماسية حدود الكلمات، تؤكد لغة الجسد السعودية أن المملكة اليوم تصنع مسارها… وتعيد رسم ميزان القوى الدولي بثقة ووعي ورؤية.