النهار
بقلم - عبدالمحسن محمد الحارثي
في مرحلة دولية تتداخل فيها التحولات السياسية والاقتصادية ؛ جاءت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن لتشكّل محطة مفصلية في مسار العلاقات السعودية الأميركية.
زيارة حملت طابعًا استراتيجيًا يتجاوز الطابع البروتوكولي، ورسخت إطارًا جديدًا من التعاون يقوم على معادلة دقيقة : الأمن مقابل الطاقة والاستثمار والتكنولوجيا.
لقد وصف "جورج كينان " العلاقات الدولية بأنها «فن إدارة التوقعات لا إدارة النوايا»، وهي عبارة تعكس جوهر اللحظة الراهنة.
فالتوقعات عالية، والرهانات كبيرة، والبلدان يتطلعان إلى بناء شراكة مستقبلية تُعيد صياغة موقعهما في المشهد الجيوسياسي العالمي.
اتفاق دفاعي يعيد تعريف الشراكة
جاء ملف الاتفاق الأمني والدفاعي في طليعة المباحثات، بعدما أصبح عنصرًا محوريًا في ضمان الاستقرار الإقليمي ودعم مشاريع التنمية السعودية.
وتجد الولايات المتحدة في المملكة شريكًا استراتيجيًا قادرًا على تحقيق التوازن في منطقة شديدة التعقيد.
وتتجلى أهمية هذا الملف في مقولة الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت: «السلام لا يُصان بالكلمات وحدها، بل بالاستعداد الحقيقي لحمايته».
ولهذا يظهر التعاون الدفاعي بوصفه القاعدة التي ستُبنى عليها بقية مسارات الشراكة.
طاقة وتكنولوجيا..مرحلة جديدة من التعاون
لم تعد الشراكات بين البلدين مقتصرة على النفط، بل امتدت إلى الغاز والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة والتعاون النووي المدني.
وهو ما يعكس تحوّل العلاقة إلى نموذج أكثر تنوعًا وعمقًا.
وهنا يحضر قول الفيلسوف فرانسيس بيكون: «المعرفة قوة، لكن تطبيقها هو القيمة».
فالطرفان يتجهان إلى بناء قيمة مشتركة عبر مشاريع فعلية واستثمارات نوعية في اقتصاد المستقبل.
الاقتصاد..استثمار في المستقبل السياسي
ظهرت المملكة خلال الزيارة بوجه اقتصادي جديد؛ فهي اليوم ليست مصدرًا للطاقة فقط، بل قوة استثمارية عالمية تبحث عن توسيع شبكات نفوذها في أهم الأسواق الدولية.
ويأتي ذلك في إطار فلسفة سعودية جديدة ترى أن القوة الاقتصادية ركيزة من ركائز المكانة السياسية ودورها في تشكيل النظام العالمي القادم.
زيارة تبني جسور المستقبل
لا تكمن أهمية الزيارة في نتائجها المباشرة فقط، بل في مسارها الاستراتيجي طويل المدى.
فهي لا تعيد تدوير علاقة قائمة، بل تؤسس لشراكة أعمق وأكثر توازنًا، بما يعكس قول لاوتسو: «القائد العظيم هو من يجعل الآخرين يشعرون أنهم قادة أيضًا».
وهكذا تمضي المملكة بثقة في بناء تحالفات تقوم على الندية والشراكة لا على التبعية.
الخُلاصة :
إن زيارة ولي العهد لواشنطن تمثل لحظة هندسة جديدة للتحالفات الدولية، قامت على ثلاث ركائز رئيسة:
ضمانات أمنية راسخة، تعاون طاقوي متقدم، واستثمارات استراتيجية تعزز الاقتصادين معًا.
وإذا كان بنجامين فرانكلين قد قال يومًا: «الإعداد المتقن نصف النجاح»، فإن المملكة اليوم تبرهن أنها تُعدّ -وبإتقان - لدور دولي أكبر، لا لتتكيف مع المستقبل، بل لتشارك في صياغته.