النهار

٠٩:٤٨ ص-٢٢ سبتمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٩:٤٨ ص-٢٢ سبتمبر-٢٠٢٥       4510

بقلم - عيسى المزمومي
ليس اليوم الوطني السعودي مجرد تاريخ يُسطر في تقويم الزمن، بل هو ذاكرة أمة بأسرها، وجسر ممتد بين ماضٍ عظيم وحاضر نابض ومستقبل يتشكل على ضوء القيم الراسخة. ففي الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، لا نحتفي فقط بذكرى توحيد المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – بل نستحضر معنى الكيان، ونستعيد جوهر الفكرة التي جعلت من هذه الأرض وطناً جامعاً وهويةً متينة! 
إن قصة الوطن تبدأ من لحظة استعادة الرياض عام 1902م، لكنها لا تتوقف عند حدث عسكري أو سياسي؛ إنها حكاية إرادة وصبر ورؤية إنسانية آمنت بأن وحدة الأرض لا تكتمل إلا بوحدة القلوب. وعندما أُعلن تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932م، لم يكن ذلك مجرد إعلان لدولة فحسب، بل كان ولادة لوعي جمعي جديد يحمل في داخله معنى الانتماء، والولاء، والعطاء.
اليوم الوطني، في جوهره، ليس مناسبة للزينة والاحتفالات وحدها، بل هو دعوة صامتة للتأمل: ماذا يعني أن يكون لنا وطن؟ وماذا يعني أن ننتمي إلى أرض كانت وما زالت موئلاً للقيم، وملتقى للتاريخ، ومنبعاً للحضارة؟ إن الجواب يتجاوز حدود الكلمات، ليصل إلى أعماق الوجدان حيث يتجذر الشعور بالأمان، ويترسخ المعنى الحقيقي للهوية.
في هذا اليوم المجيد ، تتجدد رمزية التراث والثقافة، فالأهازيج الشعبية، والعروض الفنية، واللقاءات المجتمعية ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل هي محاولات عميقة لاستحضار ذاكرة المكان والإنسان. إنها دعوة لتذكر أن الهوية الثقافية ليست ثوباً نرتديه في المناسبات، بل روح ترافقنا في تفاصيل حياتنا اليومية. كما أن الاحتفال باليوم الوطني هو لحظة لقاء بين الأجيال؛ فيه يسمع الصغار قصص التأسيس والكفاح، ويتأمل الكبار ثمار ما زرعه الآباء والأجداد. وفي هذا التلاقي تنشأ مسؤولية مشتركة: أن نصون هذه الأرض ونمضي بها قُدماً، لا بوصفها إرثاً نتمسك به فحسب، بل أمانةً نضيف إليها ونوسع آفاقها.
إن القيم التي يُذكرنا بها هذا اليوم – كالاحترام، والتسامح، والوحدة، والعمل الجماعي – ليست شعارات تزين الخطب، بل هي أدوات لبناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة تحديات العصر. فالوطنية الحقيقية لا تُقاس بمدى احتفالنا، بل بمدى عملنا، وإسهامنا، وتعاوننا من أجل أن يبقى الوطن بيتاً آمناً للجميع.
كما يظل اليوم الوطني السعودي منصة وجودية تُعيد تعريف علاقتنا بوطننا: علاقة حب وولاء، وعهد متجدد على أن نكون شركاء في البناء، لا مجرد شهود على التاريخ. إنه يوم يدعونا لأن نرفع أبصارنا إلى المستقبل، ونحن نحمل في قلوبنا يقيناً بأن هذا الوطن، بما فيه من قيم وأصالة، قادر على أن يكون منارة بين الأمم، وأن يمنح أبناءه الأمل والطموح والكرامة.
فالوطن، في النهاية، ليس مجرد جغرافيا نعيش عليها، بل هو كيان يعيش فينا، ويتجدد معنا، ويمنحنا في كل يوم معنى جديداً للإبداع!