النهار

١٦ سبتمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١٦ سبتمبر-٢٠٢٥       8030

بقلم: اللواء.م. عبدالله ثابت العرابي الحارثي
في زمن الرغد والعيش الكريم الذي نحمد الله عليه، حيث يحف وطننا الأمن والاستقرار بفضل الله ثم بفضل قيادتنا الحكيمة الرشيدة ، أصبح الاهتمام بالمظاهر جزءًا من حياتنا اليومية. نرى الناس يسعون وراء الكماليات التي تشبع غرورهم وتبرز تميزهم أمام الآخرين، وفي مقدمتها عمليات تجميل الوجوه. هذا السعي، رغم حرية الأفراد، يعكس هوسًا يركز على الشكل الخارجي دون النظر إلى ما هو أهم: تجميل الروح وتنقية القيم.

بينما يُنفق الوقت والمال لتعديل ملامح الوجه، نغفل عن ملامح الأرواح التي تتعرض للتشوه أحيانًا بسبب الغرور والحسد والتعالي أو البعد عن المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة. لو كانت هناك “عملية تجميل للأرواح”، ربما استعاد المجتمع انسجامه ودفء العلاقات، ونمت القيم التي تجعل الإنسان أفضل مع نفسه ومع الآخرين.

المقارنة بين الاهتمام بتجميل الوجه وإهمال تجميل الروح صادمة: وجوه لامعة ومثالية، وأرواح تغطيها ندوب الغرور والأنانية. نحن لا نطالب الناس بالامتناع عن تحسين مظهرهم، بل نوضح أن الجمال الحقيقي يبدأ من الداخل. الأرواح التي تعيش في صراع داخلي أو ملوثة بالحقد والحسد لن تنقذها أي عملية تجميل، ولن ينعكس جمالها على الآخرين.

الوازع الديني، والالتزام بالمبادئ، وتنمية القيم الإنسانية، هي العملية الحقيقية لتجميل الإنسان. لو اعتنى كل فرد بقيمه وأخلاقه، لما احتاج المجتمع إلى ترميم علاقاته أو إعادة بناء الثقة بين أفراده. الاحترام والتواضع، وتعزيز حب الخير للآخرين، والصدق والنزاهة، هي “عمليات التجميل” التي لا تظهر بالعين، لكنها تشع من الداخل وتضيء حياة الآخرين من حولنا.

علينا أن نعيد التفكير: لماذا نهتم بالمظاهر الخارجية بينما نعاني من فساد داخلي؟ لماذا نهتم بملامح الوجه ونترك وجوه قلوبنا مشوهة بالقسوة والغضب والغيرة؟ لو ساد الاهتمام بالقيم كما يسود الاهتمام بالمظهر، لكان مجتمعنا أكثر انسجامًا ودفئًا وجمالًا.

في النهاية، ليست القضية وجوه جميلة أو أرواح مشوهة فقط، بل وعي ومسؤولية تجاه النفس والمجتمع. كما نحرص على تجميل الشكل الخارجي، علينا أن نحرص على تجميل أرواحنا بالقيم، وتطهير قلوبنا بالمبادئ، وإشراق علاقاتنا بالإحسان والعدل. حينها فقط سنعيش حياة أصفى، ونخلق مجتمعًا متماسكًا تتجلى فيه الروح قبل الوجه.