

النهار
كلمة النهار السعودية
في زمنٍ تتدفَّقُ فيه المعلوماتُ بلا قيودٍ، وتتوفرُ الأدواتُ الرقميةُ للجميعِ، أصبحتِ الكتابةُ مجالًا مفتوحًا لكلِّ من أرادَ الخوضَ فيها، دونَ أن يكونَ مُلِمًّا بأساسياتها أو مُتقِنًا لفنونها.
وها نحنُ اليومَ نشهدُ من يُفرِغُ الحروفَ على الصفحاتِ والشاشاتِ بلا عمقٍ فكريٍّ، مُعتمدًا على سيولةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ في توليدِ النصوص، سواءٌ كانَ على درايةٍ بالمحتوى أم لا.
ويُعيدني هذا المشهدُ إلى ما كانَ عليه الحالُ في زمنِ صحافةِ الفاكسِ قديمًا، والواتسابِ حديثًا، حيثُ برزَ من ينسبونَ لأنفسهم أعمالًا لم يخطُّوا فيها حرفًا واحدًا، فتجدُ المقالَ أو التقريرَ الصحفيَّ ذاته منشورًا بأسماءٍ متعدِّدةٍ، وكأنَّ الحِبرَ قد انقسمَ لينسبَ الفضلَ إلى من لم يساهمْ فيه أصلًا.
هؤلاءِ لم يكونوا سوى مُدَّعينَ للكتابةِ، يُزخرفونَ الكلامَ بلا حجَّةٍ، وينسجونَ العباراتِ بلا معرفةٍ، غافلينَ عن أنَّ الكتابةَ الرصينةَ، سواءٌ في الأخبارِ أو التقاريرِ أو المقالاتِ، تتطلَّبُ بناءً مُحكمًا قائمًا على مقدِّمةٍ واضحةٍ، وعرضٍ مترابطٍ، وخاتمةٍ مُكثَّفةٍ، ضمنَ سياقٍ فكريٍّ مُتماسكٍ.
فيا ليتَ قومي يُدرِكونَ أنَّ التباهيَ بما ليسَ في الإنسانِ مهلكةٌ، وأنَّ الجمالَ الحقيقيَّ يكمنُ في إدراكِ الفردِ لموهبتِه، فيصقلُها ويُتقِنُها، لا أنْ يتشبَّثَ بمظاهرِ المعرفةِ الزائفةِ. فالمجدُ الحقيقيُّ هو في الإبداعِ الصادقِ، لا في استعارةِ أمجادِ الآخرينَ أو ادِّعاءِ ما لا يُملَكُ.

