

منى يوسف حمدان الغامدي
في الحياة القصيرة التي نعيشها على كوكب الأرض كلنا نطمح أن نترك أثرا وبصمة لا تنسى على مر السنين والأعوام، وهذا تاريخ الأمم والحضارات الإنسانية خلد لنا أسماء شخصيات عظيمة يتردد ذكرها في كل حين ويضرب المثل بعطائها وتميزها وخيرها الممتد الذي عم وفاض وطال مختلف مناحي الحياة . لم تكن حياتهم هباءً منثوراً بل هناك هدف وغاية من وجودهم استطاعوا أن يعرفوه وينقبوا في مكامن قوتهم ونقاط تميزهم وغاية وجودهم وعملوا بكل طاقاتهم ليظهر ذلك جليا في كل مناشط حياتهم، هؤلاء لا يموتون ويخلد ذكرهم بين الأنام.
ولو عمد كل واحد منا أن يستحضر من ذاكرته عن شخصيات أثرت في فكره وحياته لتداعت لنا أسماؤهم بل ملامحهم ونغمات أصواتهم وحضورهم الأخاذ وتأثيرهم القوي على مسار حياتنا وتوجهاتنا وكانوا بمثابة القدوات الحقيقية لنا . وتوقفت عند السؤال كيف لهم كل هذا التأثير الخالد وهل كانوا يخططون لصناعة علامة مميزة لهم و ما يعرف اليوم بالماركة الشخصية؟ وأعتقد أنهم كذلك.
بالأمس تابعت لقاء مميزا للعالم المصري( فاروق الباز) الذي ذاع صيته في العالم حتى تبوأ موقعا مميزا في وكالة ناسا ونال تكريما علميا من الوكالة الدولية لعلوم الفلك والفضاء فسمي كويكب باسمه أو بلقبه الباز ، وسأله المذيع من أين تأتي بكل هذا الشغف العلمي؟ وبعد مسيرة أكثر من ستين عاما في مجال العلوم والعمل المستمر ومازال يطلب العلم ؛ ولم أستغرب قوله بأنه مازال يرتاد مقاعد الدراسة حتى هذا اليوم ويستزيد من العلوم الجديدة المتطورة ولن يتوقف. ورد على المذيع بأنه يستحضر مقولة لوالده الذي لم يتلقَ نفس القدر من العلم ولم يرتد الجامعات ولكنه أثر فيه بقوله: ما فائدة العلم أن لم تعلمه وتفيد الآخرين بما تعلمت؟. قدسية العلم وأهميته هو ما نحتاج أن نزرعه كقيمة مستدامة في كل جيل من الأجيال، فبدون العلم لا ترتقي الأمم ولا تتقدم ولا تصنع حضارة .
بالعلم نزداد إيمانا وقربا من الله جل جلاله ونتدبر في ملكوته ونعي جيدا غاية وجودنا في الحياة الدنيا لعمارة الأرض التي استخلفنا الله فيها منذ خلق آدم عليه السلام.
كي نصنع لنا ماركة مميزة لابد أن نحدد قيمنا الشخصية فهي التي ستساعدنا في تحديد الطريقة التي نرغب في التواصل بها مع الآخرين، في لحظات الخلوة مع النفس لنفكر مليا في الصفات والقيم الحقيقية التي نتمثلها ونراها مهمة بالنسبة لنا وما الذي يميزنا عن الآخرين ؟ وماهي الممارسات والمعتقدات التي تجعلنا منجزين؟. وماهي المواقف والقرارات التي اتخذناها في الماضي والتي تعكس هذه القيم؟ وماهي الأشياء التي تلهمنا وتشعرنا بالرضا عندما نحقق الإنجاز الشخصي؟ وليكن لنا صحبة من الأخيار الذين يصدقون في أقوالهم ليخبرونا عن كيفية رؤيتهم لنا وما يعتقدون أنه يميزنا؟ .ل
لنكثر من الاطلاع على السير الذاتية والماركات الشخصية لشخصيات ملهمة ونتفكر فيها ونحللها ونبحث عن القيم التي يمثلونها . من المهم أن نكون صادقين مع أنفسنا ونختار بعناية فائقة تلك القيم التي تنسجم بشكل طبيعي مع شخصياتنا وأهدافنا لتكون لنا شخصيات قوية يحتذى بها في المستقبل ومن ثم نستطيع إنشاء محتوى ذا قيمة نفيد به الآخرين، يعكس القيم والرسائل الرئيسية لرسالتنا في هذه الحياة .
نحن بحاجة اليوم لبناء وجود رقمي فعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركة هذا المحتوى مع أفراد المجتمع حتى لانترك الساحة لمن لا يجيدون صناعة المحتوى الهادف ، فالوطن ينتظر منا الكثير في زمن غابت فيه القدوات الحقيقية والتاريخ لن يغفر لمن تهاون في تأدية الدور المناط به . لنتشارك ونتواصل مع الآخرين ونتبادل الأفكار النيرة التي تواكب تطلعات عليا لتحسين جودة الحياة من خلال التكيف مع المتغيرات.
لتكون ملهما لغيرك لابد أن تكون متميزا في طرحك للأفكار باستخدام لغة حماسية تحقق الشغف الحقيقي نحو تحقيق الأهداف .
قصص النجاح المكتوبة بلغة بسيطة ومشوقة تصل للقلوب وتخلد في الذاكرة. الرؤية الطموحة للمستقبل تؤثر في العالم ولغة الأرقام مغرية وتلفت الأنظار. دوّن أهدافك وراجعها باستمرار وقيّم ما تم إنجازه واحتفل بكل منجز تحققه في سبيل الوصول للمحطة المنشودة وكلما وصلت للهدف ابحث عن هدف أكبر وأبعد واستمر في العطاء حتى آخر رمق وآخر نفس لك في هذه الدنيا حينها ستلقى الله وأنت معك الكثير من المنجزات الحضارية والأثر العظيم الذي تركته من خلال علم نشرته وقيمة عززتها وأثرا طيبا خلّفته.
بقلم : منى يوسف الغامدي

