أحمد سليمان النجار 

٠٢:٢٣ م-٢٤ مايو-٢٠٢٤

الكاتب : أحمد سليمان النجار 
التاريخ: ٠٢:٢٣ م-٢٤ مايو-٢٠٢٤       31350

 

الغباء الاصطناعي ( AS ) ..!!

الشيئان اللذان ليس لهما حدود : الكون و غباء الإنسان , مع أني لست متأكدا بخصوص الكون ..!! ‏( ألبرت أينشتاين ) 

 حدثني أحد الثقات قال : إن خمسة شياطين كانوا مُجتمعين على شخصٍ , شيطان يوسوس له , وأربعة يشرحون له الوسوسة ..!! 😁

لاتُفتَحُ للغباء سيرةٌ إلا ويُذكر الذكاء , ولايُذكر الذكاء إلاويذكر العقل , ولايًذكر العقل إلا وتُطلُ برأسها ملفات عديدة , وأبرزها ذاك الخلاف الذي دخل فيه كثير من العلماء عن موضع العقل ,  أهو في المُخ أم في القلب ؟ , خلافٌ لم يتجاوزه حتى العلماء العباقرة من أمثال : 
ابن تيمية وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وأحمد بن سليمان النجار والشافعي والإمام مالك وابن القيم وابن الهيثم .. وغيرهم كثير ..!!
لحظة من فضلكم , هناك اسم ذُكِرَ بين العلماء بالخطأ ..
نعم , إنه الحسن بن الهيثم , فهو عالم كان معظم اشتغاله في الرياضيات والبصريات , ولاعلاقة له بالموضوع المطروح .. 

وخصصتُ ذا الملف بالذكر , لأني أميل - ولعلي على خطأ - بأن المُخ مُجرد جهاز تنظيمي مُعقدٌ للغاية , وليس خاضعاً للقلب بالمعني الحرفي , ولكنه والقلب  تديرهما قوة جبارة يُقال لها الحاجة , والحاجة - في نظري - إما فطرية أساسية , جمعها ( ماسلو ) في هرمه الشهير , وعلى خلاف معه حول أي الحاجات أقوى من بعضها ؟
فهل الحاجة للطعام أقوى أم الحاجة للأمان ؟ 
وأكاد أجزم أن الحاجة للطعام أقوى - وبكثير - من الحاجة للأمان , ولذلك قُدمتْ في سورة قريش حيث قال تعالى : 
( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) 
وعلى هذا النسق فإن الحاجة للماء أقوى من الطعام والحاجة للتنفس أقوى من الجميع ..!!

أما النوع الثاني من الحاجات فهو الذي يتكون من بذرة خاطر بسيط , ثم تَعَزز ليصبح فكرة , ثم تقوت الفكرة فتحولت لرغبة , ثم تخلقت الرغبة ونُفِخَ فيها الروح وتحولت لكائن يبدأ في التحرك ليصبح واقعاً عبر التخطيط والتنفيذ , ثم يبدأ الاعتياد - وفي بعض الأحيان نستبدل الاعتياد بمصطلح الإدمان , كالمخدرات مثلاً أو التسوق أو الجنس القهريان ..وغيرهما -** 
هذا الاعتياد - أو الإدمان -  يحول الأمر إلى حاجة , هذه الحاجة بنوعيها هي - في نظري - القوة المديرة للمخ والمُخضعة له لإيجاد الطرق والوسائل الكفيلة بتحقيقها , وهذا عندي هو التعريف الذي ارتضيه لمصطلح الذكاء , وبمعنى أوضح :
هو قوة تنشأ في القلب للحصول على حاجة ما  , ثم يتم إخضاع المخ بكل إمكاناته المدهشة وقدراته المُذهلة لتحقيق هذه الحاجة , وكلما كانت القوة أشد والحاجة أكثر إلحاحاً , كلما كان الذكاء أكثر حدة , ولذلك - وفي نظري -  أنه لايوجد إنسان ذكي وآخر غبي , بل يوجد حاجة أقوى من حاجة , فنجد نفس الشخص في موقف ما غاية في الذكاء , ونجده -هو نفسه - في موقف آخر غاية في الغباء ..!!

وماسببَ اللبس وأحدثَ الخلط بين الذكاء وغيره من القدرات , هو المسار الذي تم حصر الذكاء فيه ، عبر إصرارانا على عدم الخروج من الصندوق الذي أحكم إغلاقه علينا بمسارات محددة بعض ( الكابتن ) من أمثال : 
( ألفريد بينيه ) و ( تيودورسيمون ) و ( لويس تيرمان ) وغيرهم ..

وعلى الحقيقة فالخيط الفاصل رقيق للغاية ، بين الذكاء بالمفهوم الذي أطرحه , وهو إيجاد طرق ووسائل لتحقيق حاجة ما بأسرع وقت وأقل تكلفة , وبين أمور عديدة مثل : الموهبة , وهي - من اسمها -  قدرة خاصة وهبها الله لشخص ما , وبين المهارة والتي تتحكم في قوتها عوامل مثل التعليم والتدريب والممارسة والخبرة ..!!

فالموهبة ليست ذكاء , ولايمكن تعلمها بأي حال من الأحوال , بل يمكن اكتشافها وتنميتها وتوظيفها , والمهارة يستطيع اكتسابها حتى الحيوان , إن وجد التعليم والتدريب المناسبين , ويستطيع رفع مستواها عبر التكرار والتطوير ..

ونحن عندما نصف شخصاً ما بالذكاء - وهذا ماقلت بخطئه منذ البداية , فيوجد فعل ذكي وليس إنسان ذكي ( على طول الخط ) - فنحن إما نشير لموهبة أو مهارة وليس لذكاء , وعندما نقيس الذكاء فنحن نقيسهما كذلك ولانقيس الذكاء ..!!

وهذا الكلام يقودنا لسؤالين توأمين ملتصقين ولادكتور ربيعة لهما ..!!
الأول : 
هل يزيد التعليم من الذكاء ؟
أيها السادة الرجاء التأكد من ربط الحزام لأننا سنهبط بكم إلى أرض الواقع , الإجابة :
للأسف , لا ..!! 

التعليم يزيد المهارات , وينمي المواهب , ولكنه لايقترب من الذكاء إلا في حالة واحدة فقط , وهي : عندما نعمل على إيجاد الرغبة ( أو مانسميه الدافعية ) ونربط ذلك بحياة المتعلم الحقيقية , لتتحول الرغبة إلى حاجة , ثم نزوده بقواعد وقوانين ضرورية , ونتركه ليحول الحاجة هذه إلى قوة تُدير المخ والقلب لتُنتج وسائل وطرق لتحقيق هذه الحاجة , وهذا هو الذكاء ..

وبذلك لن ننجح - حتماً - في إيجاد هذه الحاجة في كل المواد الدراسية التي يدرسها الطالب , ولا حتى في كل المادة الواحدة التي يدرسها  ..!! و
سيكون لدينا طالب ماهرٌ في الفيزياء وليس ذكياً في الفيزياء , ماهرٌ في الكيمياء وليس ذكياً في الكيمياء .., فأفضل طالب قد يستطيع حل أي مسألة فيزيائية - مهارة - ولكنه عندما يستطيع اكتشاف قانون فيزيائي جديد أو توظيف قانون قديم في اختراع جديد فهذا هو الذكاء ..!! وحتى هذا الذكاء لانستطيع إطلاقه كصفة ثابتة للشخص , ولكن لإنتاجه نفسه ..

ولذلك - وفي كثير من الأحوال - لاتعني الدرجة العلمية - حتى وإن ارتفعت -  أن حاملها لديه القدرة على الإنتاج الذكي , وقد تكون كل درجته العلمية مرتكزة على الحفظ وعلى إتقان مهارات وتطويرها والدوران في فلكها ..!!

وهنا لابد من التنبيه أننا قد نخطيء عندما نصف فعلاً أو قراراً  أو تصميماً ، بأنه ذكي أو غبي ، فهو - وبكل بساطة - صحيح أو خطأ ، ومرد ذلك لدرجة خبرة الشخص وتعليمه وتدريبه ومناسبته للمهمة وللمكان الذي هو فيه ، وكما عبر ﷺ :
( إذا وسد الأمر لغير أهله ) ..

أما السؤال الثاني : 
هل للذكاء علاقة بالأخلاق ؟
أي هل هناك رابط بين ازدياد أو انخفاض ذكاء شخص وبين بُعده أو قربه من الأخلاق ؟
هناك جانبان لهذا السؤال :
جانب ( ميتافيزيقي ) نستطيع اكتشافه عبر التدقيق في كثير من الأدلة الشرعية التي تدور حول هذا الأمر ، مثل الأحاديث التي أقرت أن المؤمن يرى بنور الله , وأن له فراسة خاصة , وأن المؤمن - كما قال صلى الله عليه وسلم - كيسٌ فطن ..
وأن البعض - وحتى مع تساوي الحاجات - قد لايكون لفعلهم نفس درجة الذكاء ..!!
وهذا مبحث ضخم للغاية , ولن أخوض فيه حالياً ..


والجانب الآخر : 
أن الذكاء ليس صفة ملازمة للشخص , بل هي ملازمة لفعله في أمر ما , والفعل منشأه الحاجة , والحاجة قد تكون راقية أو منحطة , وبالتالي فلا علاقة للذكاء بالأخلاق والسلوك , بل الأخلاق والسلوك لها علاقة بالتربية والبيئة والوازع الديني لدى الشخص ..

ويبقى سؤال واحد :
هل من الممكن أن يمتلك الغبي المهارات ؟
ماقلناه عن الذكاء وأنه ليس صفة ملازمة للشخص , بل لفعله في أمر ما , نقوله كذلك عن الغباء , وبذلك قد يمتلك إنسان ما مهارات ولاتتوافر لديه قوة الحاجة , فهو سيتعامل مع هذه المهارات ويوظفها بغباء شديد , حتى أن الذكاء الاصطناعي , هو برمجة ( gorithms ) , وهو بالتالي مُجرد مهارة , وهذه المهارة قد يصل إليها من تعلم وتدرب جيداً , وقد تنشأ له حاجة راقية أو منحطة , فيكون الذكاء الاصطناعي مُجرد خادم لحاجته , وبالتالي قد يقود هذا الذكاء إما إلى التدمير أو إلى البناء والتعمير , والأذكياء من أصحاب الحاجات الراقية سيختارون البناء والتعمير , أما المنحطة فسيختارون العكس , وهذا هو الذكاء الغبي , وهم بذلك سينتجون ماعنونت به مقالي ( الغباء الاصطناعي ) ورمزت له بـ ( AS ) (Artificial stupidity ) ..

وخلاصة القول :
العمل على الجانب الإنساني المتمثل في القيم الراقية والأخلاق العالية وغرس المبادئ في الإنسان  , وتنمية المراقبة الذاتية عنده , وحبه للخير والعدل والجمال , والولاء للوطن , سيجعل حاجاته راقية , وبالتالي سيكون ذكاؤه مصدر خير ونماء وبناء , وليس معول هدم وتدمير ..!!

📕 ** كتاب :
ساعدوني فأنا لا أستطيع التحكم في نفسي 
( السيطرة على السلوك الاندفاعي )
د.جون إي . كرانت
د. إس . دبليو . كم 

أحمد سليمان النجار