

جيلان النهاري
بقلم: جيلان النهاري
عندما تنهش الحزبية والتبعية الطائفية بلدك العربي بين حزب متشيع متطرف رافضي يدَّعي أنه هو الإسلام الصحيح ويتلاعب بشرع الله وأحكامه وحدوده، متمسحا في حب آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام ويبغض أزواجه وأصحابه رضوان الله عنهم، وبين حزب يدعي السلفية السليمة وهو في الحقيقة متطرف إخونجي أو متصوف، ويبتدع في الدين ويُكفِّر المسلمين، وحزب ثالث منحل يتبنى الإلحاد والفكر الإباحي، وكل هؤلاء أصحاب تلك التوجهات الفكرية يجعلون من الإسلام سُلَّماً يرتقون عتباته ذريعة لهم لنشر أفكارهم ومعتقداتهم الشخصية التي يتبنوها حتى يتم لهم مرادهم في تفريق الأمة، وبث الفوضى في البلاد وترك عامة الناس منقسمين بينهم في حالة تشتت ديني مستغلين قلة ثقافة بسطاء المسلمين بأمور دينهم، وبعدهم عن عقيدتهم السليمة نتيجة كثرة المفكرين والدارسين في علوم الدين المفوهين وأساليبهم المدروسة في التأثير على من يستمع لهم أو يتابعهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي لا تخضع للرقابة والتصنيف من قبل المراجع العلمية المتمكنة حفظا وفقها ودراية بأصول الفقه وأحكام القرآن وتشريعاته ودراية بالسنة الصحيحة.
من خلال تجولاتي عبر وسائل التواصل الإجتماعي والتطبيقات الكثيرة وجدت أن الفعل الصحيح هو في أن تكون جاهزا بالإجابة الصحيحة الشافية الوافية المقنعة للسائلين على أي تساؤل في الدين ( وبالذات في الإعتقاد ) من باب العمل بالتوجيه الإلهي لعباده: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)] سورة النحل.
مهم أن تكون كعالم يجيب على السؤال متمكنا ومقنعا متسلحا بالإيمان والعلم.
اليوم مصادر تلقي المعلومة، وكذلك أدوات إيصال الفكر جميعها متوفرة وبضغطة اصبع على الرقن، تجد كل الآراء من متخصصين بالدراسة ومن مفكرين بالبحث والرأي كثيرون مابين متفقه وبين سطحي لا يحمل علما يقينا في الدين، ليس كالماضي أحيانا المفكر أيا كان توجه فكره يتم محاربته ونعته بالفاظ وتصنيفات، ويقمع وينتهي أمره في مكانه ولا ينتشر خبره إلا مع محيطه، وقد ينتشر عبر تلاميذه او مناصريه فقط، أو ممن دونوا عنه، ويتكون من فكره فرقة أو طائفة تحمل سبلاً تفرق الأمة، ويكون لها أتباع يتبنون ذلك الفكر ويستميتون لإثباته لمجرد أنهم آمنوا به دون تحقيق أو دراسة سليمة له، والتاريخ الإسلامي مليء بالاستشهادات على ذلك منذ إنتهاء عهد الخلافة الراشدة.
اليوم تتم مراجعة كثير من التدوينات والآراء الفقهية التي طرحت عبر التاريخ الإسلامي والتي تعتبر إجتهادات وآراء شخصية ليست لها علاقة بالرسالة المحمدية، وليست مأخوذة من القرآن الكريم، وليست أيضا من صحيح السنة الصحيحة المتواترة، وقد تكون من الروايات المدسوسة على السنة في كتب رواة الحديث وكتب رواة السنة.
من خلال مراقبتي للوضع الفكري المتنامي سلبا أو إيجابا حول تصحيح أو هدم الفكر الديني السائد الذي يسمونه الذين يخرجون علينا عبر قنوات وسائل التواصل الإجتماعي: تجديد الفكر الإسلامي ما بين معترض وبين مفصِّل بغير دراية كافية بأمور دينه، وآخر يدحض ويكذب الثرات الديني للإسلام بجهالة، بمجرد معلومة سطحية أخذها دون علم أو تعمق في محتواها، وقد تجدهم جميعهم في الأساس لا سلوك قويم في معاشهم وأخلاقهم وأدبيات ألفاظهم وتعاملاتهم، ناهيك عن نقص علمهم بأصول دينهم بدءا من توحيد الله جل جلاله، وبعدهم عن ذلك في أفعالهم كمن نراهم اليوم يتحدثون في أهم أركان الإسلام كالصلاة المفروضة واوقاتها المقامة وكيفيتها، والخروج بتحليلات تحث على التسويف بها، وإباحات تشجع على إهمال الصوم، وشعائر الحج التي أخذناها متواترة عن النبي عليه الصلاة والسلام، كل ذلك كان نتيجة عدم تعمقهم في دراساتهم وتدبرهم وتفكرهم في آيات كتاب ربهم وإنحراف فهمهم دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
تعهد الله جل جلاله بحفظ كتابه، وهيئ لهذا الدين: [ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)] سورة الأحزاب.
ففي هذا العصر الحديث هناك رجال ثقات يحملون على عاتقهم مسؤلية حفظ هذا الدين منتشرين في أرجاء الأرض حاملين أمانة بقاء الرسالة المحمدية الصحيحة قائمة في الأمة العربية والإسلامية في العالم أجمع ما أستطاعوا عبر مؤسساتهم الدينية في دولهم التي تنامت فيها الصراعات الفكرية التابعة للفرق والطوائف التي تم ذكرها في بداية المقالة.
بينما بقيت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها ثابتة في منهجها القويم في حماية وحفظ أصول هذا الدين عبر هيئة كبار العلماء وتمسكهم بكل ما يحمل وحدانية الرسالة المحمدية في أن الدين عند الله الإسلام لا طائفية قائمة ولا حزبية دينية متبعة، غير كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة وما جاء به السلف الصالح نقيا سليما لا لوث فيه ولا إبتداع مهلك للأمة، حيث تحظى بكم جليل من أصحاب السماحة والفضيلة العلماء الثقات الواقفين على تحقيق بلاغ الرسالة المحمدية كما جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتواترها السلف الصالح إلى يومنا هذا متمكنين في الفقه وفتاويهم بما ينفع الأمة مع كل ما يطرأ من أمور حديثة لم تكن في زمن أسلافهم، مستقين ذلك من علمهم الراسخ في الدين.
ونحن في المملكة العربية السعودية حكومة وشعب نثق كل الثقة في هيئة كبار العلماء الأجلاء، ومن إيماننا الكامل بهم من خلال دورهم الكبير والجليل في حفظ سلامة الدين، وأمان البلاد والعباد، وما ينفع الأمة العربية والإسلامية في أصقاع الأرض، حيث نجدهم المرجع الموثوق به لكل مسلم يرجو حقيقة الحصول على الفتوى الصحيحة للعيش مطمئنا على سلامة دينه.

