

جيلان النهاري
بقلم - جيلان النهاري
جاءني في المقهى الشعبي الذي يكتظ برواده البسطاء.. سألني:
هل أنت تعاني مثل ما أنا أعاني؟.
□ أجبته: بماذا تعاني؟.
○ أزفر زفرة من داخله حامية هواءها.. فقال:
أعاني من نهاية أدواري في هذه الحياة.. ربما أنا مكتئب.. ربما أنا أشعر بحزن.. ربما شعور وقتي وسيذهب هذا الشعور بحاله.. وربما حقا أنا أواجه حقيقة معاناة إنتهاء كل أدواري في هذه الدنيا التي أتواجد فيها كجسد روحه تنتظر لحظة قدر الصعود إلى باريئها.. وربما شيطان الظن السيء فيمن يحيط بي يشعرني بهذا الإحباط المعنوي الذي يتمكن مني هذه الأيام.
□ قلت مابك؟.. ما الذي مزعجك؟.. تكلم وكأنك تتحدث مع ذاتك.. أعتبرني ذاتك التي تستمع إليك صاغية.. عاقلة.. تتفهمك.. تناقشك فيما أنت فيه من هموم.. إني أراك مهموما.
○ قال لي: أخشى أن أكون قد بالغت في إظهار تعابير وجهي، أو أكون قد تماديت على نفسي بتركها تتقبل مالا تستطيع تقبله.
□ قلت له: ما بك تحدث.
○ قال: بلغت من العمر حداً أشعر فيه أنني إلى هنا وجب عليَّ الرحيل.
□ قلت له: ويحك.. أنت تتنفس، قلبك ينبض، وروحك تتعبد الله، وداخلك إيمان أعرفه فيك، ونفسُك صافية لا تحمل حقدا، لا تقوم بإضرار الناس، يملؤك حب العمل والتعامل، تواجه الناس بالخير، وتتقبل إساءاتهم بروح حكيم، متسامح دوما، وإن غضبت لا تحمل بداخلك حملا خبيثا تجاه أحد.. ما بك يارجل؟
○ قال: إسمع.. سأتحدث معك كانك نفسي الأمينة.. التي أفقدها هذه الأيام، لأنها سئمت مني بسبب عدم الإنصات لها طيلة سنين عمري في أن أكون حازما قويا في مواجهة كل ما يؤذيني من فعل أو قول جارح سوى ردة فعل وقتية واحتمال الضرر الذي أناله ولا تتحمله نفسي.. لقد وجدتني مع ذاتي البسيطة التي تراها الآن كما ترى محبطا.
□ قلت له: لا تتكلم.. ولا تتحدث.. فقط أسمعني جيداً بكامل حواسك:
■ في هذه الدنيا نحن مأمورون بأن نكون أمناء محبين سمحين مع الحق، أقوياء أشداء حازمين ضد الباطل.
■ في هذه الدنيا نحب ونعشق ونحترم ونحافظ على من نحبهم ونعشقهم ونحترمهم ممن هم حولنا من أهل وأصدقاء وعامة البشر، حتما سنجد منهم مبادلتنا تلك المشاعر الجميلة، وقد نواجه أيضا منهم سوء فهم وإتهام لنا ولأفعالنا وأهدافنا النقية النظيفة، ونجد منهم التجريح، والتقليل من شأننا، وحتي يصل الأمر إلى إيذاء مشاعرنا وأحاسيسنا بفعل قد يشعرنا بخيبات الأمل تجاههم، وخاصة لو صدرت تلك الأفعال المؤذية من أقرب الأقربين لنا أخ أو أخت أو زوجة أو أبناء أو حتى من صديق مقرب، أو متعامل تعاملنا معه بٍوِدٍّ.
■ أنت في هذه الدنيا تعيش حياتك تتعامل مع الله، فأحسن الظن بالله وستجد نفسك خارج بسعادة كاملة من الإحساس الذي يتملكك هذه اللحظة.
■ وأعلم أن أدوارك في الحياة لا تنتهي بلفظ نفسك الأخير فاعمالك الباقية هي التي زرعتها أنفاسك في حياتك من عمل رجوت فيه عفو ربك ورضاه من خلال عمل خير قمت به، وقول حسن أثر في غيرك.
■ في هذه الدنيا حتى وإن غاب عقلك وأصبحت هرِماً لا تعي بما يدور حولك، فدورك لا ينتهي فأنت لحظتها تكون مصدر أجر لمن يقوم برعايتك إنسانيا يناله أجرك عند ربه.
○ أبتسم صديقي المهموم، وقال:
على الله توكلنا، فعلا دوري لم ينتهي ولن ينتهي طالما الدنيا قائمة، وطالما لم أصل مرحلة نيل كتابي بيميني.
● شكرا لك لأنك فرجت همي الذي أيقنت من حديثك معي أننا جميعا من على هذه الأرض في كبد تقلب القلوب والمشاعر، ولا يمسكنا ثابتين على ما نعانيه سوى حسن ظننا بالله، ويقيننا أن الله هو العالم بقلوبنا، فلتحيا قلوبنا لله.

