اللواء ركن م -حسين محمد معلوي

١٢:١١ ص-٢٠ ابريل-٢٠٢٣

الكاتب : اللواء ركن م -حسين محمد معلوي
التاريخ: ١٢:١١ ص-٢٠ ابريل-٢٠٢٣       34815

أحداث السودان    
مر السودان عبر تاريخه ثم منذُ استقلاله بأزمات وهزات تاريخيه وانقلابات عسكرية عطلت مسيرته التنمويه وأدت إلى انفصال جنوبه عن شماله ومازال التهديد قائم لانفصال أجزاء أخرى مثل إقليم دارفور وكردفان وشرق السودان . 
كانت بداية استقلاله عندما اجتمع البرلمان السوداني في 19 ديسمبر 1955 م وأعلن استقلال السودان وطالب دولتي الحكم الثنائي ( مصر وبريطانيا ) بالاعتراف بالسودان دولة مستقلة وعندما تم الاستقلال تعاقب على حكم هذا البلد العربي الأصيل عدد من الرؤساء أولهم إسماعيل الأزهري ثم كل من إبراهيم عبود، سر الختم خليفة، جعفر نميري، عبد الرحمن سوار الذهب، أحمد الميرغني، عمر البشير، احمد عوض بن عوف وحاليًّا رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان … وأحيانًا يحكم السودان ما عُرِفَ بمجالس السيادة أو مجلس رأس الدولة التي تمثل السلطة السيادية ويكون هناك رئيس وزراء يمثل السلطة التنفيذية كما هو في حالة وزارة دفع الله ووزارة الصادق المهدي.
انفجر ت المصادمات بتاريخ السبت ( ١٥ - ابريل ٢٠٢٣ م الموافق ٢٤ رمضان ١٤٤٤هـ ) بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي أنشأها الرئيس السابق عمر البشير بديلًا لما كان يعرف بمسمى  ميليشيا الجنجويد القبلية التي قاتلت المتمردين في إقليم دارفور نيابة عن الحكومه والجيش السوداني وقد اتهمتها الدول الغربية في ذلك الحين بالإرهاب .. وتوضح قوات الدعم السريع إلى أنها تعمل بموجب "قانون إجازة المجلس الوطني في عام 2017". وأنها ترتبط برئيس الدولة بموجب ماصدر في يوليو من عام 2019، حيث تم تعديل قانون قوات الدعم السريع بحذف مادة منه تلغي خضوعه لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلاليتها عن الجيش وجعل لها قيادة مستقلة .
ورغم توقيع القوى السياسية والعسكرية ( البرهان وحميتي ) على الإتفاق السياسي الإطاري الذي يؤدي إلى قيام حكومة مدنية وتوحيد القوات المسلحة.
فإن البرهان وحميتي لا يزالان على خلاف حول من سيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج التي ستمتد عدة سنوات. وتقول قوات الدعم السريع إن القائد ينبغي أن يكون الرئيس المدني للدولة، وهو ما يرفضه الجيش. وعودة إلى بداية تأسيس قوات الدعم السريع في عام (٢٠١٣م ) فقد أصدر الرئيس السابق البشير أمرًا رئاسيًا لتكون قوات الدعم السريع تعمل بأوامر من القائد الأعلى للقوات المسلحه ( رئيس الدولة ) وتكون تابعة لجهاز الأمن الوطني ( جهاز المخابرات العامة حاليا ) مما أكسبها الصفة الشرعية والوضع القانوني المستقل الذي أهلها للتواجد في كل أنحاء السودان بل وتم تكليف عدد كبير من ضباط وضباط صف الجيش والأمن بالإنتداب للعمل بها لغرض تدريب أفرادها وضباطها ليكونوا بمستوى تدريب القوات المسلحة وأدخل منهم الكثير للكليات والمعاهد العسكرية السودانية وتخرجوا منها . 
استمرت هذه القوات بمسماها الجديد ( الدعم السريع ) في النمو حتى صار عددها يزيد على (١٠٠) ألف رجل وتم تزويدها بمئات السيارات ذات الدفع الرباعي التي تم تركيب منصات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة عليها لاستخدامها في العمليات العسكرية . 
بعد سقوط الرئيس البشير بقيت هذه القوات ذات صفة قانونية كافية لإبقائها .. ككيان عسكري معترف به تحت مظلة وقيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة . ولأن الفريق أول عبد الفتاح البرهان هو القائد الأعلى للقوات المسلحة في هذه الحقبة من الزمن فمن الطبيعي أن يكون هو القائد الأعلى لقوات الدعم السريع .. إلا أن هذه القوات بسبب إختلاف وجهات النظر السياسية بين قائدها حميدتي وبين الفريق البرهان وانعدام الثقة بينهما  لا تأتمر بقيادة البرهان بل تأتمر بقيادة وتعليمات قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بمسمى ( حميدتي أو حميتي ) الذي عينه البشير في الأصل ومنحه رتبة عسكرية كبيرة بسبب نجاحه في قيادة الدعم السريع ضد مقاومة المتمردين في كردفان ودارفور ... 
نظرًا لتنامي قوة وحدات الدعم السريع وكبر حجمها وانتشارها في كافة أنحاء السودان وبروز دورها السياسي وتأثيرها في المفاوضات السياسية الدائره بين الأطراف المدنية والعسكرية السودانية إضافة إلى جنوح قائدها الفريق محمد حمدان دقلو إلى الاستقلال برأيه واختلاف توجه هذه القوات عن رأي وتوجه الفريق أول عبد الفتاح البرهان والقوات المسلحه -فإن ذلك التوجه قد أثار تحفظ وحساسية قادة القوات المسلحة الذين أحسوا بأن قوات الدعم السريع تحولت إلى كيان عسكري كبير منافس وموازي للقوات المسلحة يقلل من دورها في الشأن السياسي والعسكري والإجتماعي، وهذا  ماجعل الفريق البرهان يطالب بدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وتحت إمرة رئاسة أركان القوات المسلحة وليس القائد الأعلى … وهذا ما يعارضه قائد الدعم السريع " الفريق أول حميدتي " الذي لا يمانع في تأكيد دمجها بالقوات المسلحة إلا أنه طالب بآلية دمج عملية وواقعية وذات معايير متفق عليها وعلى امتداد مساحة زمنية كافية لإعادة هيكلة قوات الدعم السريع ضمن هياكل القوات المسلحة، واتفق جميع الموقعين على مبادرة ميثاق الإطار السياسي الوطني على دمج هذه القوات في القوات المسلحة وبالتدريج في غضون (١٠) سنوات ورغم أن الجنرال حميدتي وقيادته يقولون بأن هذه القوات ذات وجود قانوني وهي مرتبطة بالقائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن البرهان لدوافع سياسية كان يصر على إنهاء دور حميدتي وقواته السياسي والعسكري لأنه يرى ضرورة إيقاف استقلالية الفريق حميدتي وخطه السياسي الذي يتوائم بالتنسيق مع مجموعة فريق الحرية والتغيير الذي يقود المعارضة السياسية ضد العسكر .. وهذا ما أدَّى إلى انفجار الوضع بين الطرفين في قاعدة المروي وفي الخرطوم بتاريخ السبت ١٥ ابريل ٢٠٢٣م  وإنتشار المواجهات بين الطرفين في كل أنحاء السودان .
والمتابع لتقارير المحللين والمراقبين للأحداث ومن يظهر على شاشات الفضائيات بأن المواجهات بين الطرفين كر وفر وأن أي منهما لم يحسم المعارك لصالحه رغم تفوق القوات المسلحة باستخدام سلاح الجو والأسلحة الثقيلة مثل المدفعية والدبابات والناقلات المدرعة وتوفر القواعد العسكرية  والذخائر والدعم المستمر، إلا أن قوات الدعم السريع تتميز بخفة الحركة والقدرة على الانتقال بسرعة في ميادين المواجهات، ولأن أسلحتها خفيفة ومتوسطة فقد هاجمت القواعد العسكرية وخاصة الجويه لتحييد طائرات سلاح الجو السودانية التي استخدمها البرهان في النزاع، وقد دمرت قوات حميدتي عدد كبير من الطائرات العسكرية في تلك القواعد والمطارات بل وكثير من طائرات الخطوط الجوية السودانية والأجنبية التي تواجدت في مطار الخرطوم ومطار قاعدة المروي.
حاليًا هناك وساطات من الإتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد والأمم المتحدة ودول الخليج العربي ومصر وجنوب السودان ومناشدات من أحزاب سودانية وأطراف إقليمية ودولية لإيقاف إطلاق النار بين الجنرالين المتصارعين ولكن لم تتوقف المواجهات لأن كل منهما يريد القضاء على الآخر والإستئثار بالسلطة لخدمة مصالح كلا الجنرالين ( مصالح الذات ) وليس مصالح الشعب السوداني . 
 إن ما حدث في ماضي السودان ويحدث في حاضره هو نتيجة لعمق خلافات أحزابه ونخبة السياسية المختلفة في ايديولوجياتها، إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية وخاصة الدول الغربية التي تريد المحافظة على مصالحها ولا تريد أن ينهض هذا العملاق السوداني الأسمر النائم بالتخدير والذي يمتلك من الثروات والعقول والمساحة الجغرافية والمقومات الأخرى ما يؤهله عند حسن استغلال هذه المقومات لأن يكون سيد القارة الأفريقية .
إن هذا المقال رسالة لمن لا يدركون معنى نعمة الأمن والإستقرار التي تنعم بها دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أدام الله أمنها وعزتها واستقرارها. 

اللواء ركن(م) حسين محمد معلوي 
قائد درع الجنوب  عام (٢٠٠٩م ) .