

جيلان النهاري
يبقى الماء ماءً والسراب سراباً.
بقلم: جيلان النهاري
الظمآن مهما كان ظمأه ونوع ظمأه يبحث عن الإرتواء.
كم من ظمآن في هذه الحياة يَتَعَطَّشُ إلى مايرويه عضويا،أو روحيا، أو نفسيا.
فالماء يروي ظمأ الجسد، والتُّقَى يروي ظمأ الروح، والقناعة تروي ظمأ النفس، والعلم يروي ظمأ العقل، والفكر يروي ظمأ بناء الشخصية، والخبرة تروي ظمأ الطموحات، كما أن الحب الصادق يروي ظمأ المشاعر.
نحن بني الإنسان نحتاج إلى كل ما يروي متطلبات حياتنا بشكل دائم لتستمر حياتنا عاملة فاعلة، فعندما نفقد المصدر أو نبع الإرتواء ننهض منشغلين بحثا عن هذا المصدر أو النبع، وقد نتوه في البحث متلهفين لقطرة نرتشفها لترتوي إحتياجاتنا حتى نواصل رحلة الوجود على هذه الدنيا التي نعيشها ونكابد فيها.
في رحلة الحياة هذه كم من ظمآن تاه في صحراء حياته باحثا عما يروي ظمأه فلم يجد إلا سرابا أنتهت إليه الحياة فماتت كل آماله في هذه الحياة، أو قد يجد نفسه أمام قوة الحاجة إلى إنتظار ما تفعل به صفروف الزمان والمكان التي تحيط به وينتظر مصيره إما الموت المحقق جسديا أو روحيا أو نفسيا أو عقليا أو فكريا وحتى طموحا، أو رحمة من الله بإلهامه إلى المسلك الصحيح للوصول إلى ما يروي ظمأه إلى مصدر النبع الصافي الذي يعيده للحياة لينهض مجددا فاعلا عاملا في هذه الحياة.
قال تعالى:
[وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)] سورة النور.
فكم منا من كفر بنعم الله عليه في هذه الحياة ويظن نفسه أنه يعمل صالحا وهو حقيقته ظمآن رغم توفر كل سبل الحياة الكريمة التي أرتوى منها من ماء زلال ومصادر روحانية ونفسية وعلمية وفكرية وأعمال ووسائل ومواد وخبرات تساعد على تحقيق طموحاته الشخصية وكذلك حياة مليئة بالحب تروي مشاعره وعاطفته؟.
فالكفر يكمن في غياب وعي الإنسان عن أن هذه النعم الإلهية هي أن نعبد الله حق عبادته، بقلب صافي وفؤاد واعي لحقيقته أنه خليفة الله في الأرض يتحلى بالتقوى وحسن الخلق وإستقامة السلوك، في كل كلمة وفعل وتعامل.
فالسراب يتجسد في أعمالنا إن كانت ليست خالصة لله، فكيف سيكون حالنا عندما نجد أنفسنا أمام الله ونحن كفرنا بنعمه؟.
فالكافر بنعمة ولي الأمر العادل كالكافر بالله، لكفره بنعمة العدل والأمن والأمان التي سخرها الله له في بلاده، هو نفسه الكافر بخروجه على وطنه وتشريعات وأنظمة وقوانين بلده التي تحقق له الإستقرار الحياتي، وتأمين كل ما يروي روحانيته من رعاية لمقدساته الدينية من الحرمين الشريفين إلى المساجد التي تمنحه منابع التُّقى، ليكون عابدا صالحا على هذه الأرض يعمل قانعا نفسيا بأن الله سخر له في وطنه كل ما يروي ظمأه كإنسان مقدرات يتعطَّش إليها كثيرون يعيشون في هذا العالم المحيط به.
ولنا عبرة فيمن كفروا بقيمة هذا الوطن وطاعتهم الله ورسوله وولي أمرهم، وخرجوا إلى دول ظمآنين إلى التمرد حسب عقليتهم الضحلة، وحسبوا أن عملهم
هذا صالح، فكان كسراب بقيعة فلم يجدوا أنفسهم إلا أمام خير تشبيه بالكافر بأمر طاعة ربه ورسوله وولي أمره.

