

علي بن هجّاد الزهراني
السعودية في النظام العالمي
بقلم / علي بن هجّاد
……………………………………………………..
في بحر لجيّ متلاطم بالصراعات والأحداث السياسية العالمية تبحر سفينة المملكة العربية السعودية بسم الله مجراها ومرساها لتصل بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء إلى المكان الذي تستحقه في مقدمة دول العالم بسلام واطمئنان بمشيئة الله تعالى .
وتتجاوز المملكة ـ بفضل الله ـ العقبات التي تواجهها واحدة تلو الأخرى بعزم وحزم وحكمة وصبر، لتحقيق الأمن والسلام والرخاء للمنطقة، وفي هذا السياق وفي إطار حرص المملكة على تنقية الأجواء في الساحة الإقليمية، وبوساطة صينية صدر يوم 10 مارس 2023 بيان ثلاثي مشترك باسم المملكة العربية السعودية وإيران والصين أعلنت فيه الدول الثلاث عن توصل الرياض وطهران إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، لتنهي بذلك قطيعة حدثت بين البلدين منذ عام 2016.
وفي ضوء البيان الثلاثي المشترك المشار إليه اجتمع اليوم في بكين سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان ووزير خارجية إيران واتفق الجانبان على إعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية خلال المدة المتفق عليها، والمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد، ومواصلة التنسيق بين الفرق الفنية في الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرات العمرة.
يجري هذا الاتفاق بين البلدين في وقت يشهد فيه النظام العالمي مخاضا عسيرا بين تيارين متضادين، يعمل التيار الأول على استمرار النظام العالمي كما هو، والمحافظة عليه دون تغيير حفاظاً على امتيازاته بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود حلف الناتو وتعمل جاهدة للحفاظ على نظام القطب الواحد الذي يجعلها تتربع وحدها على رأس النظام العالمي ويضمن لها استمرار هيمنتها على العالم.
ويعمل التيار الثاني بزعامة روسيا على تغيير نظام القطب الواحد والعودة إلى نظام القطبين الذي ميز العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية من عام 1945، إلى نهاية الحرب الباردة في عام 1989، وتميز هذا النظام ببروز قطبين متصارعين على فرض هيمنتهما ونفوذهما على العالم هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي .
وكذلك تعمل جمهورية الصين الشعبية على إنهاء هيمنة القطب الواحد، وتعتقد أن العالم في حاجة ماسة إلى تعدد الأقطاب بدخولها مع روسيا والولايات المتحدة في هذا السياق.
أمّا الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك أقوى جيش في العالم وفقاً لتصنيف "غلوبال فاير باور"، وهي ثاني دولة من حيث مخزون الرؤوس النووية، ويحتل اقتصادها المركز الأول عالميا، فإنها تجتهد في الحفاظ على هيمنتها على العالم من خلال تحجيم منافسيها، وفي مقدمتهم روسيا التي دخلت حربا مع جارتها أوكرانيا التي طلبت الانضمام لحلف الناتو بينما تعارض روسيا وجود الحلف على حدودها.
وتقود الولايات المتحدة حلف الناتو لنفخ كير الحرب الروسية الأوكرانية، وتدعم الجانب الأوكراني بالمال والسلاح لإبقاء الحرب مشتعلة، بينما تشدد العقوبات على روسيا التي يعد جيشها ثاني أقوى جيش في العالم، وتعد الدولة الأولى من حيث مخزون الرؤوس النووية، وذلك بهدف استنزاف ذخيرتها وإلحاق الأذى باقتصادها الذي يحتل المركز الثاني عشر عالميا، وتتوقع نتيجة لذلك أن تتخلى روسيا عن طموحاتها في العودة لسابق عهدها من القوة والتأثير وتقاسم الهيمنة معها على الساحة الدولية.
وكذلك تدعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو استقلال جزيرة تايوان عن الصين التي يعد جيشها ثالث أقوى جيش في العالم، وتملك رابع أكبر مخزون من الرؤوس النووية، وتحاول الولايات المتحدة أن تدفع بالتنين الصيني لارتكاب حماقة تجاه الجزيرة لاستردادها بالقوة، ومن ثم تعمل على شيطنة الصين لاستصدار قرارات أممية ضدها وتشديد الحظر عليها لتدمير اقتصادها الذي يحتل المركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة، وكذلك لإنهاك جيشها واستنزاف قدراته، ومن ثم تتخلى الصين عن طموحاتها .
وفي هذا المشهد الدولي المتلاطم تتنتهج المملكة العربية السعودية سياسة مستقلة بعيدة عن الاصطفاف مع قوة دولية ضد قوة أخرى، وتضع مصالحها على رأس أولوياتها.
وتعد المملكة من بين أكبر عشرين اقتصادا في العالم وهي عضو في مجموعة دول العشرين G20 ، كما تعد من بين الدول الأسرع نمواً على مستوى العالم، وهي كذلك عضو فاعل ومؤثر في منظمة أوبك وفي تحالف أوبك بلس، وقد حققت نجاحا باهرا في قيادتها للمنظمة إلى بر الأمان على الرغم من التحديات التي واجهتها خلال السنوات القليلة الماضية.
وتعمل المملكة العربية السعودية بكل جد واجتهاد على تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على البترول وحده، وبدأت منذ عام 2016 في تنفيذ رؤية 2030 حتى أصبحت جميع مناطقها ورشة عمل على مدار الساعة لتحقيق هذه الرؤية الجبارة التي تحقق الكثير من مستهدفاتها قبل الوقت المحدد له.
وتحتفظ المملكة بعلاقات تاريخية جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان يشوبها بعض الفتور أحياناً في حال تضاربت مصالح البلدين، كما ترتبط بعلاقات جيدة تدعم مصالحها مع كل من روسيا والصين ودول أوروبا والهند وغيرها من الدول المؤثرة في العالم.
وكل المؤشرات تدل دلالة واضحة المعالم أن المملكة العربية السعودية تسير تحت قيادتها المظفرة في الطريق الصحيح لتحقيق هدفها الأسمى بالوصول إلى مقعدها الذي تستحقه في طليعة دول العالم مهما كان شكل النظام العالمي الذي سيسفر عنه مخاض الأحداث الجارية بين الدول العظمى.
……………………………………………………..

