محمد سعيد الحارثي
هل جائزة نوبل أنصفت اللغة العربية وأدباءها؟
بقلم - محمد سعيد الحارثي
عنوان بصيغة سؤال والجواب هو لا، وهذه الجائزة منذ تأسيسها عبر تاريخها الطويل في منح الجوائز في فرع الأدب، وهو ما يهمني والذي أنا بصدده بأنها لم تنصف اللغة العربية وأدباءها فخلال سنوات عمرها لم يفوز بجائزتها في فرع الأدب سوى أديب عربي واحد فقط، وهو الروائي المصري نجيب محفوظ.
فهل يعقل ذلك وهل معاييرها تتجاهل قامات رفيعة من العرب في إنتاجها الأدبي التي أرى بأنها تتفوق على أسماء حصلت عليها سابقا ولاحقا، فأين الجائزة عن عمالقة الأدب العربي، مثل الكاتب المسرحي الأديب المصري توفيق الحكيم، والذي في تصوري لا يقل عن الكاتب المسرحي العظيم جورج برنارد شو، وإن تفوق هذا الكاتب الإنجليزي.
فتوفيق الحكيم أفضل من بعض الأسماء التي حصلت عليها حتى أن الأديب نجيب محفوظ صرح في إحدى لقاءاته التلفزيونية "بأن الحكيم يستحق جائزة نوبل"، فمن المفترض يحصل عليها الحكيم على أقل تقدير بفترة السبعينات أوفي الثمانينات وكان وقتها حي.
هذا غير شخصية مرموقة مثل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بإنتاجه الأدبي الرفيع، والذي كان يميل لليبرالية الغربية، والذي كان يسعى جاهدة لتطبيقه في العالم العربي، كأنموذج للتحضر والتنوير، وأينها عن الأديب والمفكر الكبير عباس محمود العقاد، والذي كان من أشد المنتقدين للنازية بزعامة هتلر، وهذا ما يتطابق مع هوى الغرب وهي معاييرهم.
ولا ننسى الأديب اللندني اللامع السوداني الروائي البارع الطيب صالح، والذي أطلق عليه النقاد عبقري الرواية العربية، والتي تعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية في العالم، والتي تُرجمت لأكثر من ثلاثين لغة في العالم، فهل هذه القامة تتجاوزها الجائزة والمنفتح على الثقافة الغربية، ولكنه متمسك بأصالته السودانية وجذوره العربية.
فأين الجائزة عن الأديب والمفكر السوري أدونيس الحداثي وبإنتاجه الغزير بالكم والكيف، والذي يرقى لمستوى فكر الجائزة، والذي كان يتوقع فوزه بها في نسخ سابقة للجائزة، وغيرها من الأسماء في المشرق والمغرب العربيين، والتي تطول فيها القائمة، حتى أن هناك فئة من المثقفين العرب وهي قليلة، والتي ترى بأن لغتها لا تصلح لهذا العصر الحديث، وأنها لغة قاصرة أي أنها في اعتقادهم لغة غير حية.
وهذا القول هو إعادة لما كان يردده بعض مفكري و مثقفي الغرب في حقبة زمنية مضت، وهؤلاء المثقفين العرب ليسوا منصفين مع لغتهم ليتنكروا لها ويستهجنوها، ومع ذلك ومع انجرارهم للثقافة الغربية وانسلاخهم عن ثقافتهم، ولكنهم لم يحظو باهتمام نوبل لتلتفت لهم أو غيرها من الجوائز.
وعودا لموضوعنا وأقول بأن جائزة نوبل غير منصفه للأدب العربي، لأن نتاجهم الأدبي باللغة العربية، نعم هذا ما أراه وإلا ماذا يعني أن يحصل على هذه الجائزة أديب نرويجي وبلغة مخترعة، والتي لم يتجاوز عمرها عن مائة وخمسون سنة وهي لا تمثل شيء مع تاريخ اللغة العربية، الذي يقارب عمرها ما قبل الإسلام 1700عام، فهذا أقل تقدير وهي مازالت حيه في التدوين وفي الوجدان العربي، وأثرها باقي في اللغات الأخرى بما فيها اللغة الإنجليزية.
كذلك ما عملته الجائزة مع اللغة العبرية الحديثة التي أحيتها إسرائيل بعد موتها السريري، وتوجتها نوبل بتكريم منها لها من خلال حصول الأديب الإسرائيلي "شموئيل يوسف عجنون" على جائزتها في فرع الأدب في فن السرد المميز بعمق مع زخارف من حياة الشعب اليهودي"، هكذا تقول الجائزة، لكنني أعتقد بأن هذه الجائزة تحاك في دهاليزها الخفية النزعة العنصرية ضد اللغة العربية لإخافتها كلما ظهر لها وهج.
وأنا بطبيعتي لا أؤمن بنظرية المؤامرة ولكن في اللغة العربية أرى يحاك شيء من هذا الأمر، وإلا فما هو مبرر القائمين على الجائزة لكي يقنعونا بحصول أديب عربي واحد فقط في تاريخ هذه الجائزة الطويل، وهو الأديب الروائي نجيب محفوظ، فالمسألة تبدو لي يلفها الغموض في دهاليز صناع القرار لهذه الجائزة العريقة، والتي يتمنى كل أديب أيا كانت جنسيته بالحصول عليها.