عوضه بن علي الزهراني

١١:٢٠ ص-٢٤ سبتمبر-٢٠٢٣

الكاتب : عوضه بن علي الزهراني
التاريخ: ١١:٢٠ ص-٢٤ سبتمبر-٢٠٢٣       43560

المراكز الإعلامية بالباحة.. الواقع والمأمول

من دواعي الغبطة والسرور حينما أرى الكتاب والإعلاميين يتناولون مواقع مهمة عن وطننا العزيز، وبالأمس القريب شدني مقالا للأستاذ عبدالله الكناني في هذه الصحيفة تحت عنوان (نحلم ويتحقق مركز أبو هريرة الثقافي العالمي بمركز دوس) تناول جوانب مختلفة حول الاستثمار الثقافي الذي سينعكس على جوانب اقتصادية وسياحية متعددة وفي الحقيقة الاستاذ عبدالله قدم الشيء الكثير في طرحه وكما يقال لا عطر بعد عروس ولكن رأيت أن هناك مسئولية تقع على المراكز الإعلامية في المنطقة فغياب دورها الوافي يفقدنا الكثير من الفرص، ولكن قبل أن ابدأ في مناقشة هادئة حول هذا الموضوع ، يطيب لي في البداية أن انتهز هذه الفرصة لأتقدم بخالص الشكر لســمو سيدي الأمير الدكتور حسام بن سعود يحفظه الله الذي دأب على التغيير وفقا لتطلعات رؤية الوطن ، وسعياً منه نحو الأفضل لخدمة هذا الجزء الغالي من وطننا الحبيب الأمر الذي سوف يعزز جودة المخرجات ويتناسب طردا مع أهمية ومكانة المنطقة ، كما أهني كل الأخوة الكرام على مناصبهم الجديدة متمنيا لهم التوفيق لخدمة هذا الوطن المعطاء في ظل قيادته الرشيدة ، ولا يفوتني أن أهنئ الزميل حامد بن محراك العطاوي على هذه الثقة الكريمة من لدن سمو سيدي أمير المنطقة يحفظه الله  كمدير للشئون الإعلامية بإمارة منطقة البـــاحة ، وهنا اسمحوا لي أن اذكر بعضاً من مآثر الأستاذ العطاوي والذي يمتد من اسمه نصيب وافر على ثرى هذه الأرض فقد عرفته من خلال نشاطه الميداني عبر الوسائط الرقمية ، شكل جذوة عطاء حينما كان رئيسا للمركز الإعلامي بمحافظ الحجرة، كان له بصمة واضحة وصوت مدوٍ يمتد نحو الوطن ، وعَمِلَ بكل همةٍ واقتدار ، وقاد المركز بشغف تجلى ذلك في عطائه نحو كل المنجزات والتنمية ، كان محبا لمهنة الإعلام ولا يزال، وكان مهموماً بالانجاز النوعي قدم الكثير من الفعاليات الوطنية والفعاليات المحلية فتحول المكان إلى حالة احتفالية حافلة تتواكب مع رؤية الوطن ، العطاوي تماهي مع الأمكنة ووقف على التلال وأبعاد المكان ، ونقل لنا مشاهد حية لا تزال تعتمل بالذاكرة فجهوده ملموسة إبان عمله في محافظة الحجرة وندعوا له بدوام التوفيق وأن يستمر بنفس الطاقة والجهود في عمله الجديد ، في المقابل  نحن نعلم أن تطلعات سمو سيدي الأمير حسام كبيرة بحجم طويق ، والتطلعات والآمال اكبر بكثير مما هي عليه الآن ، نعم هناك جهود كبيرة وعمل دؤوب ، وما نأمله هو اكبر بكثير من الوضع الراهن ، نظرا لكون منطقة الباحة تزخر بالعديد من الجوانب السياحية وتكتنز الكثير من المعالم التاريخية والأثرية ، ولكونها تقترب من منطقة مكة المكرمة  التي يتواجد بها أكثر من سبعة ملايين نسمة من السكان ، حيث يمكن أن تشكل منطقة الباحة مكانا للفسحة وإنعتاق للنفس من ضغوط الحياة وضجيج المدن الكبيرة والمزدحمة لكل قاطني المنطقة الغربية وفي كل الفصول ، كونها تتمتع بأجواء مختلفة تماما عن غيرها حتى أجواء الشتاء فالضباب وكثافته تشكل عند البعض حالة ترف فلماذا لا يستغل هذا الموسم ؟ سؤال مشروع ووارد ونتمنى الإجابة عليه من قبل المكتب الاستراتيجي بالإمارة ، صحيح أننا بحاجة إلى خطط لهذا البرنامج ، الأمر الذي يقع على المكتب الاستراتيجي مسئولية في فتح الأبواب للتعاون مع من لديهم الرغبة والكفاءة واستقطاب بعض الكوادر من ابناء المنطقة  لتقديم بعض الرؤى والأفكار واستقطاب شخصيات فاعلة حول وضع بعض الخطط والبرامج التي من شانها تعزيز الوجهات السياحية للمنطقة وفي هذا الفصل بالذات الذي تمر المنطقة فيه بسبات عميق واقل ما يمكن أن يقال عليه البيات الشتوي في الباحة ، أما فصل الصيف فحدث ولا حرج  أجواء معتدلة ماطرة وطبيعة طقس مختلف تماما تؤكد مثالية الأجواء حيث التيار الهوائي الحار القادم من الساحل يصطدم مع الطقس البارد في أعالي سلسلة جبال السروات الأمر الذي يتحول إلى أسراب من الضباب فتتحول الأجواء إلى حالة ماتعة حد البذخ وتكون الأجواء مختلفة ونوعية ويتشكل مشهداً قل له نظير ، وتقترن تلك المشاهد مع بطبيعة خلابة وتباينات جغرافية موحية حد الشاعرية وحتى الحالة الاحتفالية ، وما هو ملاحظ لا يتم إعداد برامج متنوعة لتك الأجواء وعلى اختلاف أوقات النهار تبعا لتغير الطقس ولم تمنح حقها من قبل المراكز الإعلامية ، وإذا كان هناك بعض البرامج فهي غير شاملة وغالبا ما تبدوا خجولة اقل من المأمول مع أن واقع البيئة والمكان يحفل بكل السمات النوعية التي تستحق أن تُدرج ضمن دائرة الضوء ببرامج نوعية ومختلفة من قبل المراكز الإعلامية بالمنطقة،إلا انه وللآسف لم يفعل أي برامج ترقى والواقع وتتم بشكل أفقي لتصل حد الاطراف.
 وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال آخر ماهو الإعـــلام ؟  ومن هو الإعـــلامي ؟ 
فإذا كان الإعلام هو الوسيلة فان الإعلامي هو من يحرك البوصلة تجاه كل الأمكنة التي تستحق الظهور الإعلامي  تجاه كل المنجزات ، تجاه كل الفعاليات المحلية والوطنية ، الإعلامي هو من يفتح نوافذ لوجه الوطن المشرق ويقدم الرؤى والأفكار نحو كل الأنساق الثقافية ويحاول الابتكار والإبداع في ذلك ، فعلى سبيل المثال عندما نتقدم في اتجاه الشرق حيث المنطقة النجدية بكل ملامحها وبمعالمها التاريخية كممر الفيل وغيره من بيئات ماتعة وجميلة تستحق أن تكون ضمن المشهد السياحي للمملكة ، كل هذا لاشك هو الأخر يحتاج إلى خطة وبرامج نستشرف فيها أفق المستقبل نحو تعزيز السياحة والاستثمار في عموم المنطقة  وهذا سوف يعزز فرصة مواتية لتنمية مستدامة تمتد نحو حراك اقتصادي متنوع وكبير، إذا اخذ بعين الاعتبار موقع الباحة الجغرافي والاستراتيجي وكذا الثقافي والتاريخي ، فهي تقترب من احد محطات طريق الحرير البحري القديم الذي شكل البعد الاقتصادي والنوعي في مرحلة ماضية ومن خلاله نُقلَ بعض الثقافات العربية إلى أقاصي الشرق وهي لا تزال إلى يوم الناس هذا حافلة ومميزه في ثقافات الشرق الأقصى التي ألهمتهم بالبعد الفني والخبرة الجمالية ، تلك محطة مهمة ، ويمكن أن يعد برنامجا لهذا الجانب ليكون ضمن البرامج الثقافية والسياحية في منطقة الباحة ويفعل في واجهة الوطن ، وهذا بالتأكيد تتولاه المراكز الإعلامية في المنطقة مع تعاون وثيق مع الجهات ذات العلاقة  خصوصا أن هناك خطة مستقبلية في خطط الدولة أيدها الله ضمن رؤية 2030 إنها سوف تستقبل خلال العام الواحد ثلاثين مليون حاجا ومعتمرا وهذا الرقم سوف يشكّل عبئا كبيرا على العاصمة المقدسة أن لم يكن هناك خطط لتفويجهم إلى المناطق القريبة محفوفة بالعديد من البرامج المختلفة ،  ومنطقة الباحة مجاورة لمنطقة مكة و تكتنز الكثير من العالم السياحية والتاريخية التي تستحق أن تكون ضمن المشهد السياحي ، ورؤية الوطن تؤكد أن السياحة في المستقبل ستكون رديفاً اقتصادياً يوازي حجم البترول أن لم يتجاوزه ، ودوس تعد البوابة الشمالية لمحافظة المندق وهي تتجاور مع منطقة مكة المكرمة كما ذكرنا  ويمكن أن يعد برنامجا ثقافيا سياحيا بهذا الخصوص بداء بوادي ثروق التاريخي بكل معالمه الأثرية والتاريخية ، وفي عجالة سوف اذكر بعضا من تلك المعالم  ومنها قلعة حكيم العرب عمرو بن حممة الدوسي ، الذي كان احد من تضرب إليه أكباد الإبل من أطراف الجزيرة العربية للاستئناس برأيه والأخذ بمشورته ، وفي المشهد ذاته لا تغيب قبة دوس التاريخية التي تتجاوز سوق عكاظ من حيث القيمة الثقافية ، وكذا جبل ظهر الغداء الذي وقف على طرفه من الناحية الجنوبية الغربية الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه حينما رفع سوطه بضوئه الساطع الذي أنار بدعاء المصطفى صل الله عليه وسلم ، حين الدعوة الميمونة  ( اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وأْتِ بهِمْ ( و يعرف المكان من فجر التاريخ  بقدوم ضأن ذلك المكان التاريخي الذي يغيب تماما عن الأنشطة السياحية ، يجاوره جبل العرنين الشهير الذي يستحق أن يدرج ضمن المشهد السياحي والاستثماري وجبل العرنين هو الذي هاجر منه مالك بن فهم الدوسي وقصته مسطورة في التاريخ أما قصيدته التي مطلعها 
  ألا من مُبلِغٌ أبناء فهمٍ     .........    بمالكةٍ من الرجل العماني
إلى أن قال متذكرا جبل العرنين
وفي العرنين كنا أهل عزٍ    ........      ملكنا بربرا وبني قران
وفي هذه القصيدة أبيات سائرة مجرى المثل ومتداولة بين الناس، وحتما سمعتها عزيزي القاري فمن تغيب عنه هذه الأبيات 
أعلّمه الرماية كل يوم ............. فلما اشتد ساعده رماني 
وكم علمته نظم القوافي .........   فلما قال قافيةً هجاني
اليوم جبل العرنين ذلك المعلم التاريخي يغيب عن المشهد السياحي والثقافي ، ونحن نضيّع الفرصة التي يمكن أن تحقق أبعاداً اقتصادية كبيرة لهذا الإرث الحضاري والفكري كما يمكن أن يستغل في توثيقه ضمن التراث العالمي في المنظمة العالمية اليونسكو ، وهناك العديد من الأماكن السياحية النوعية منها إطلالة الشفاء الذي يشرف على كل مدن الساحل ، والجرف الصخري الذي يمتد بشكل جميل ومذهل وهو فريد من نوعه على مستوى منطقة الباحة ويمكن أن يشكل مزارا سياحيا للمنطقة عموما ، وكذا المقفز المظلي وما جاوره من بيئات رياضية متنوعة سوف تسهم بشكل مباشر في توافد السياح والمستثمرين ، وجبل جنبه والمعرف (بغابة عمضان) والذي يشكل ارتفاعا عاليا بشكل هرمي يمكن أن يستغل سياحيا هو الأخر  وكذلك قرية آل نعمة على امتداد الطريق السياحي ، وقرية رمس الأثرية التي تضم أكثر من سبعين بيتا وما تحتويه من حصون وقلاع قديمة وفي وسطها سوق سُليم الموسمي والذي يشكل بعدا ثقافيا وسياحيا هو الآخر ، كل هذه الأماكن عندما تكون ضمن المشهد السياحي وضمن الخارطة المستقبلية لخطة الدولة حتما سيكون لها أبعادا سياحية واقتصادية نافعة ، وبالمناسبة ونحن نحتفل هذه الأيام بيوم الوطن وفي هذا العهد الزهر أود أن اذكر القاري الكريم بذكرى زيارة وفد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه لدوس وتحديدا لوادي ثروق حينما قدم إليها الأمير عبد العزيز بن إبراهيم آل إبراهيم مبعوثا من الملك عبدالعزيز في عام 1344هـ  لتوطيد دعائم الدولة حينها استبشرت الناس خيرا بهذا المقدم وتدافعت جموع الناس للانضمام إلى ركب الدولة وما يبرهن حالة اللحمة والتالف إلا ذلك المشهد من سمو الأمير   عبدالعزيز بن إبراهيم غفر الله عندما شارك الأهالي في احتفال جماعي ، فقد احتفل جموعا من الناس بالقرب من قرية رمس والتي كانت المحطة الفارقة في حياة المجتمع فحن نعيش هذه الأيام على اثر الرجع للقائد المؤسس طيب الله ثراه، وحينها  أمضى وفد الملك عبد العزيز في ذلك الوقت فترة من الزمن في ضيافة وجيه دوس الشيخ مسفر بن عبدالله في الواجهه الشرقية لقصره والمعرف بقصر شهران وقد ذكر ذلك  الدكتور عبدالله بن سعيد بن احمد  أبو رأس في كتابه  (رجال حول الملك عبد العزيز)
الجدير بالذكر أن هناك أماكن سياحية مهمة في دوس ولا يجب أن تغيب عن المشهد السياحي والسؤال المتبادر إلى الذهن ماهو دور المراكز الإعلامية في الفترة الماضي وهل هناك ما يبرر هذا الغياب وما هي خططها في المستقبل ، مع العلم أننا في المملكة مررنا بمرحلة التحول ، الذي من المفترض انه تم حصر ورصد كل الأماكن السياحية والتاريخية في كل جزء من منطقة الباحة ، كما هو الحال في بقية مناطق المملكة  ثم تلا ذلك مرحلة الرؤية بكل عطاءاتها التي امتدت نحو كل هذا الوطن المعطاء في ظل قيادته الرشيدة وفقها الله  ، وقد أكدت التوجيهات من سمو أمير المنطقة يحفظه الله بالعمل على توجهات القيادة العليا على استغلال كل الأماكن السياحية وتحويلها إلى فرص استثمارية لتمكين النهضة الاقتصادية وهذا لا يتم إلا بتوزيع المناشط السياحية والبرامج الهادفة بشكل أفقي مع وفرة التغطيات الإعلامية    مع الأخذ بين الاعتبار الأماكن التي تكون أكثر حضورا في الذاكرة الجمعية للناس ، ودوس والجميع يعرف هذا إنها الذاكرة الحية للعالم الإسلامي خصوصا إذا استحضرنا العطاءات الفكرية المختلفة بداء من شيخ الرواة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ـ رضي الله عنه ـ ومرورا بالخليل بن احمد الفراهيدي التي تذكر كتب التاريخ انه ينتسب إلى ذرية مالك بن فهم الدوسي ، وهو أول عالم أخضع عروض الشعر العربي لتحليل صوتي مفصل ، إلى غير ذلك مما لسنا بصدده ألان ، إلى جانب أن هناك عددا كبيرا من المواقع التاريخية والأثرية والسياحة ، وما نتطلع إليه في الراهن أن تفعل برامج لمثل هذا الأماكن حتى لا تضيع منا فرصة سياحية واستثمارية واعدة ونستشرف من خلالها أفق المستقبل  الأمر الذي يجعلنا نتواكب مع وقع إيقاع الرؤية وتطلعات القيادة ، وطموح وأمال سمو سيدي أمير المنطقة يحفظه الله .  والى لقاء
                                                                                                       عوضه بن علي الزهراني                                                             ماجستير في الأدب والنقد