
النهار
الساعات الثلاث المفصلية قُبيل استرداد الرياض
أحكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه خطته لاسترداد الرياض التي ابتدأها بخروجه من الكويت في شهر جمادى الآخرة من عام 1319هـ/1901م وتخفّيه في الصحراء حتى ليلة العشرين من شهر رمضان المبارك التي واصل مسيره فيها إلى الرياض حتى اليوم الرابع من شهر شوال الذي وصل فيه إلى ضلع الشقيب وهو مكان مطمئن من الأرض يشبه الدارة محصور بين مرتفعات جبل أبو غارب، ويبعد عن قصر المصمكستة أكيال، وقد ترك الملك عبدالعزيز فيه رواحله ومؤنه وبعض ذخائره بالإضافة إلى عشرين رجلاً لحراستها .
تُمثّل الساعات الثلاث والنصف مرحلة زمنية صعبة وقياسية في ليلة استرداد الرياض علي يد الملك عبدالعزيز ورجاله الذين بدأوا مسيرهم في الساعة السادسة ليلاً- بالتوقيت الغروبي- من ضلع الشّقيبنحو الرياض ثم أبقى الملك عبدالعزيز أخاه الأميرمحمد مع ثلاثة وثلاثون رجلاً في بستان النخيل، وواصل مسيره برفقة سبعة من رجاله فتخطوا سور الرياض عبر ثغرة مهدمة به ثم توجهوا الى بيت ابن عجلان المواجه للمصمك ولكنهم وجدوا صعوبة في تسلق جدرانه وهذه المعضلة تطلبت منهم سرعة التفكير في حل بديل فتبادر الى اذهانهم الاتجاه الى البيت المجاور له ويدعى بيت جويسر الذي يمكن من خلاله القفز الى بيت ابن عجلان ،طرق الملك عبدالعزيز باب البيت وخرج اليه صاحبه فطلب منه الملك السكوت ودخل الى بيته فعرفنه بنات جويسروبدأوا في الصياح :( عمّنا .. عمّنا ) ،فقال الهم الملك : بس .. بس ، لأنه لا يريد للأصوات ان تعلوا وبذلك ينتبه الجيران ثم أمر مرافقيه باحتجاز البنات الى غرفة داخل منزلهم ،وفي تلك الأثناء وجد الملك ومرافقيه استحالة القفز الى بيت ابن عجلان فوجدوا بيتاً بينه وبين بيت جويسر فقفزوا اليه ووجدوا به رجلاً وزوجته فطلبوا منهم السكوت واحتجزوهم داخل احدى الغرف، واستدعوا الأمير محمد ورجاله فأبقوهم داخل البيت .
انطلق الآخرون بقيادة الملك عبدالعزيز نحو بيت ابن عجلان فكانوا يركبون فوق بعضهم للوصول إلى بيت ابن عجلان لأن سطح بيته اعلى من البيت المجاور له ثم نزلوا داخله وطافوا فيه بحثاً عن الحراس قبل الدخول الى محل نوم ابن عجلان ، ثم أمسكوا بالخدم واحتجزوهم داخل احدى الغرف، وتوجهوا بعد ذلك الى غرفة ابن عجلان فدخل الملك عبدالعزيز ولم يجد سوى زوجته فعرّف بنفسه وسألها عن وقت خروج زوجها من الحصن فأخبرته بأنه لا يخرج الا بعد ارتفاع الشمس بثلاثة ارماح وأن برفقته ثمانون رجلاً، وبعد اخذ افادتها تم احتجازها مع بقية الخدم .
بعد ذلك قام الملك عبدالعزيز ورفاقه بإحداث ثقب في الجدار بين دار بن عجلان والدار التي يتواجد بها الأمير محمد مع رجاله حتى يستطيعوا التنقل عبرها دون اللجوء الى التسلق والقفز اللذان من الممكن ان يحدثا جلبة تنبه حراس الحصن إليهم ، وربما يتبادر إلى القارئ تساؤل حول الجلبة التي من الممكن أن يحدثها القيام بهذا الثقب في وقت يتطلّب فيه الحفاظ على الهدوء؛ وجوابه أن هذا الجدار مصنوع من اللّبن والطين واحداث ثقب فيه لن يصدر صوتاً ينبه الحرّاس الى مكانه ، وبوصول الملك عبدالعزيز ورفاقه الى هذه المرحلة تكون الساعة قد أوشكت على التاسعة والنصف فاستقر الرجال جميعهم في بيت ابن عجلان منتظرين قدوم الفجرالذي يكون حوالي الساعة الواحدة تقريباً لتنفيذ بقية الخطة التي تكللت بفضل الله بالنجاح ولتشهد على ميلاد عهد جديد للجزيرة العربية يبدأ منذ أن نادى المنادي ان الحكم لله ثم لعبدالعزيز.
لقد حملت هذه الساعات الثلاث التي سبقت الاسترداد بين طياتها لحظات عصيبة وأعمال متعددة تطلّبت من الملك عبدالعزيز ورجاله حسن التخطيط وسرعة الحركة و التنفيذ وبراعةً في التمويهبوقت قياسي، كما نلاحظ فيها شجاعة الملك عبدالعزيز ومروءته وحُسن تعامله مع النساء والخَدم ،لقد سطر الملك عبدالعزيز ورجاله بهمتهم العالية صفحة من صفحات البطولة والشجاعة على مر التاريخ.
'
مخطط لضلع الشقيب .
المصدر : كتاب الطريق إلى الرياض ص138
شوق يوسف المحمادي
باحثة في التاريخ الحديث والمعاصر
عضو نادي تاريخ المدينة .

