د.تركي بن عبدالمحسن بن عبيد

٠٥:٣٣ م-٠٦ سبتمبر-٢٠٢٣

الكاتب : د.تركي بن عبدالمحسن بن عبيد
التاريخ: ٠٥:٣٣ م-٠٦ سبتمبر-٢٠٢٣       37840

 

من أصول النقد العلمي 

الكاتب : د.تركي بن عبدالمحسن بن عبيد 

من السهولة و بإمكان أي إنسان متعلم أو جاهل أن يهاجم ويسب ويجادل في موضوع ما، ولكن من الصعوبة بمكان وزمان أن يمتلك القدرة على نقد الموضوع. فمن ينقد هو عالم باحث عن الحقيقة. وإثبات الحقيقة يحتاج إلى معطيات وأدوات للوصول إلى برهان بدلائل قاطعة. ولذلك نرى العديد من الممارسات النقدية الغير صحيحه والغير هادفة والغير بناءة على مصراعيها لكثير ممن تحولوا إلى نقاد دون أن يدركوا أهميتة ولم يدركوا بأن النقد يصل  

إلئ مرحلة التجريح ربما دون قصد علما بأن  للنقد وسائل وأدوات ورؤية ورسالة يجب أن يحملها الناقد ولو نقد مرة واحدة في العمر..

لنعرف بإن النقد عامة والعلمي خاصة  هو الأرقى لأنه يعتمد على مناقشات علمية تماماً كما يحدث في كتابة البحوث العلمية قبل نشرها. فما جزء المناقشة "DISCUSSION" في أي بحث علمي سوى مثال واضح من حوار تبادل الآراء dialogue النقد العلمي البناء الذي تُعرض فيه نتائج البحث وتناقش من ناحية، بناءً على المتاح من معلومات سابقة، سواءً اتفقت أو اختلفت مع نتائج الباحث، ومن ناحية أخرى من وجهة نظر الباحث، ثم إعطاء الخلاصة والتوصيات. وما تحكيم المشروعات والأبحاث إلا نقد علمي رفيع المستوى لا يمكن أن يقوم به أحد إلا إذا كان صاحب خبرات، و إلا قد يؤذي صاحب العمل العلمي بسبب عدم درايته بهموم ومصاعب وتحديات إجراء البحوث، والفارق بين الكلام النظري والتجربة العملية والواقعية..

إذاً كل من يشتغل بالبحث العلمي يجب أن يكون ناقداً علمياً متبعاً الأصول العلمية وإلا أصبح مثله مثل المجادل الذي يتبع هواه المبني على الهجوم المبرر باتجريح  والغير مبرر على الآخر.  فالنقد العلمي هو نوع من التفكير المنطقي CRITICAL THINKING  ولا يُكتسب إلا بالدراسة والممارسة العملية والمهنية. والقدرة على التفكير المنطقي لا تولد بين يوم وليلة بل هي خبرة تراكمية تعتمد على التعلم في المراحل المدرسية المختلفة حتى الجامعية. وقد يفسر انتشار النقد الهجومي العشوائي والجدلي الذي ينتمي إلى رؤية صاحبه "كطرف أول" وإهمال صاحب موضوع النقد "كطرف ثاني" إلى غياب هذا النهج العلمي في مناهج التعليم في مصر والذي يعتمد فقط على التلقين والحفظ، فينموا العقل ويتربى ويتعود على الرأي الواحد في حالة التحدث عن النفس وعن الهجوم المبرمج في حالة نقد الآخر دون البحث والتفكير في المعطيات والدلائل.      

والفرق بين العالم والجاهل هو الفارق بين العلم والجهل. وأرقى العلماء درجة هو القادر على النقد العلمي باستخدام الأسس العلمية الرصينة المتعارف عليها والثابتة لدى المجتمع العلمي فكذلك العلوم الطبيعية والطبية والهندسية بالإضافة إلى علوم التكنولوجيا والعلوم الأخرئ . وفي أي علم من العلوم يجب أن يكون النقد العلمي مستوفي للشروط المتفق عليها وإلا تحول الأمر إلى جدل وشعوذة نقدية تتأثر بالعلاقات والطموحات والنفوذ. ومع أن هناك الكثير من القواعد المعمول بها في أصول النقد العلمي، إلا أنني سوف أسوق هنا عشرة نقاط أساسية أراها ضرورية لأن يتحلى ويتسلح بها الناقد العلمي ليكون حيادياً ومنطقياً في تناول الأمور العلمية بمنطق يتناسب مع( شرف النقد وهيبة العلم)

أولاً: أن يكون الناقد على دراية بموضوع النقد وليس برؤوس الموضوع. فقد تكون رؤوس الموضوع رمزية وتحوي في طياتها رسالة محددة قد تختلف قليلاً عن فحوى الموضوع ذاته. ولذلك فيجب تأجيل النقد إلى بعد سماع موضوع النقد سواء من خلال محاضرة أو ندوة أو ورشة عمل أو بحوث علمية منشورة. تماماً كما يحدث في القضاء حيث الحكم ليس فقط بعد سماع الشهود ولكن أيضاً بعد المداولة. والنقد العلمي لا يقل مكانة عن أحكام القضاء.

ثانياً: أن يكون الناقد متخصص في موضوع النقد حتى يستطيع أن يدرك ليس فقط محتويات الموضوع ولكن أيضاً فلسفة الموضوع الصغرى والكبرى وكذلك الفئة المفترض استفادتها من الموضوع لأن كل فئة تتطلب فلسفة تناسبها عند عرض الموضوع.

ثالثاً: أن يكون الناقد على علم بصاحب الموضوع إذا كان فرداً أو جماعة وتاريخه العلمي وفلسفته العلمية وثقله العلمي وتواصله المحلي والدولي على مستوى الموضوع.

رابعاً: أن يتجرد الناقد من كل هوى سواء كان شخصي أو وظيفي أو مؤسسي. فيجب أن يكون النقد منزهاً عن كل اعتبار حتى لا يتأثر رأيه بعوامل بعيدة عن الموضوع نفسه ولكنها قد تهدمه بما في ذلك ما يسمى تضارب المصالح CONFLICT OF INTEREST.

خامساً: ألا يتسرع الناقد في الإدلاء بأي نقد بل يجب التريث في نقده حتى يحلل عناصر الموضوع جيداً وبتأني ليعطي نفسه فرصة للتأكد مما سوف يعلنه من حكم.

سادساً: أن يستخدم الناقد كل الأساليب الممكنة لتجميع المعلومات عن موضوع النقد ليكون على علم بأهمية الموضوع الأدبية أو الاقتصادية أو العلمية.

سابعاً: أن يدرك الناقد مدى أهمية نقده للوسط العلمي، فقد يحدث بلبلة تثير القلائل في الوسط العلمي أو تشكك أو تؤكد من أهمية موضوع النقد.

ثامناً: أن يكون الناقد مستعداً نفسياً وفكرياً وعلمياً دائماً في التواصل مع صاحب الموضوع للتأكد من تساؤلاته أو تحفظاته حتى يكون حكمه النهائي اكتمل وبناء للموضوع وصاحبه والمجتمع العلمي.

تاسعاً: أن يعتبر الناقد نفسه قدوة ومثل أعلى للآخرين سواء من فئة النقاد أو المجتمع العلمي وأن يدرك أن كل نواتج نقده سوف يكون لها تأثير هام، ليس فقط لتهيئة المناخ العلمي ليكون مع أو ضد الموضوع ومحتوياته، ولكن أيضاً في تشكيل الفكر العلمي لدى الباحثين بحيث يكون الهدف النهائي للناقد هو الاستقرار العلمي حتى لا ينشغل عن العلم بالجدال فيه وحتى يأخذ نواتج النقد قاعدة للفكر العلمي واستمراريته على أسس علمية.

عاشراً: أن يذكر مميزات الموضوع قبل الخوض في نقده حتى يكون منصفاً لجوانب الموضوع وصاحبه مع اعتبار أن كل موضوع له مميزاته وعيوبه حتى ولو فاقت العيوب المميزات فلا بد من إعطاء الإيجابيات حقها حتى لا يهمش الفكر الإنساني عامة والعلمي خاصة وحتى لا يتأصل هذا الفكر السلبي من ذكر السلبيات فقط في العقلية المتعلمة وبالتالي اكتسابها طريقة سلبية في إدارة الأمور دون أن تدري. وأن يتقبل أن يراجع نقده إذا لزم الأمر وعلمه بمستجدات الأمور. تلك هي أهم القواعد في أصول النقد العلمي من وجهة نظري العلمية التي يجب أن يتحلى بها ويدرسها ويطبقها كل ناقد علمي قبل مسئولية الناقد العلمي. النقد العلمي ليس مجرد 

كلمات تقال لإنهاء أو إشعال موقف يلهب الوسط العلمي. النقد العلمي وسيلة للبناء وليس للهدم أو للتجريح  فيه تبنى العقول وتدرب على الفكر التحليلي والمنطقي المبني على الحجة وليس على التخمينات. النقد العلمي مبني على القراءة والتحليل وعلى فلسفة للناقد يسعى إلى توصيلها وتوطيدها في عقل قراءه بشكل صحيح وإيجابي وهادف