النهار

١١ سبتمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ١١ سبتمبر-٢٠٢٥       7205

بقلم: اللواء.م.عبدالله ثابت العرابي الحارثي

يرسم لنا الحديث النبوي الشريف «أتدرون من المفلس» صورة مروعة لمآل من يستهين بلسانه وسلوكه مع الناس، فالمفلس يوم القيامة ليس من فقد ماله أو تجارته، بل من يأتي وقد أزدان رصيده بالصلاة والصيام، لكنه أهدره بظلم الناس، وجرحهم بكلمة، أو أخذ حقوقهم بيد، أو آذاهم بلسان، حينها تُسحب حسناته وتوزع على من أساء إليهم، حتى إذا نفدت، حُمّل أوزارهم فطُرح في النار.

هذا المعنى العميق يفتح أعيننا على أن العبادة لا تكتمل بالركوع والسجود وحده، بل بحسن الخلق ولين المعاملة والتعامل وصون اللسان، فكم من قلوب جُرحت بكلمة جارحة، وكم من نفوس كُسرت بسخرية أو استهزاء، وكم من علاقات تقطعت بسبب قسوة لسان أو كبرياءٍ أعمى البصيرة.

الأخطر من ذلك أن بعض القلوب القاسية لا تدرك خطأها أصلًا، تعيش في وهم الصواب، وتظن أنها على خير لمجرد أداء العبادات، بينما تُسجَّل عليها مظالم لا تنتهي.

هؤلاء نجدهم في البيوت، وبين الزملاء، وفي دوائر الأصدقاء، يتركون أثرًا مؤلمًا، وكأنهم لا يرون أن كرامة الناس وحقوقهم أمانة تُسأل عنها كما تُسأل عن الصلاة والصيام.

إننا جميعًا في حاجة ماسّة إلى وقفة صادقة مع هذا الحديث النبوي، لنراجع أنفسنا، فحسناتنا أغلى من أن نهدرها في خصومات وصراعات وعبارات قاسية. والرحمة والتواضع أجمل وأبقى من الكبرياء والجدال.

فلتكن رسالتنا أن نصون ألسنتنا من الأذى، ونحفظ قلوبنا من القسوة، ونكون لطيفين ودودين رحيمين في تعاملاتنا مع الآخرين، وبالأخص مع من ظروفهم صعبة ويحتاجون إلى تعاملنا. 

وما يؤلم أكثر أن دفاعهم عن أنفسهم غائب، ليس ضعفًا ولا نقصًا، بل بسبب الحاجة وفقدان الحيلة، وهذا شعور موجع حد الألم لمن عاش مثله، فلنسعَ لكسب رضا الله ورحمته وعفوه ورضوانه، ونعيش بسلام مع من حولنا.