النهار

٠٧ سبتمبر-٢٠٢٥

الكاتب : النهار
التاريخ: ٠٧ سبتمبر-٢٠٢٥       8855

بقلم/  د. نجوى الكحلوت

ثَمّة لحظة لا تُشبهها لحظة، حين تمتدّ عينُك نحو الأفق، فتلوح لك المدينة المنوّرة، وكأن قلبك يسبق نظرك خفقانًا. تتسارع أنفاسك، فيغدو الطريق كأنه صلاة طويلة، دعاء ممتدّ، كل ما فيه يتهيأ لاستقبال النور الذي أشرق من هنا.

وما إن تعانق عيناك جبل أُحد، حتى يستيقظ فيك تاريخٌ نابض، وتهبُّ على روحك أنفاسٌ نبوية. ذاك الجبل الذي كان يسمع همس الحبيب ﷺ، يوم قال له: "اثبُت أُحد؛ فإنما عليك نبيّ وصِدِّيق وشهيدان." كأنما الجبل ما زال يحتفظ بحرارة الموقف، وما زال يردد بين صخوره ذاك القسم النبويّ الخاشع. تشعر أنّ الأرض هنا ليست حجارة وترابًا، بل شواهد حيّة لزمنٍ مبارك، كأنك تطأ ذاكرةً مقدسة.

وعندما تضع قدمك على أرضها، تتذكر الوعد الصادق: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها." عندها لا تعود المدينة مكانًا فحسب؛ بل حضنًا آمنًا للإيمان، مأوى للروح التي أرهقها الركض بين الدنيا وأشغالها. تُدرك أنك دخلت نطاق الطمأنينة، حيث تهدأ الجوارح، وتلين القلوب، ويغدو الدعاء أرقَّ، والدمع أصفى، واليقين أقرب.

هي المدينة التي لا تُزار كغيرها، بل تُزار كما يُزار الوالد الرحيم، والبيت الأوّل، والمأوى الأصدق. هي ذكرى الهجرة، وبسمة النصر، ومحراب العبادة، ومهبط الملائكة، وشاهد على صبر الصحابة وجهادهم وبذلهم.

وما أعجب أن تكون خطاك فيها كأنها صلاة، وكل التفاتةٍ نحو مسجد النبي ﷺ تُوقظ فيك الحنين، وتُذكّرك أن هذه الأرض عرفت جبريل الأمين، وسمعت الوحي، وشهدت بناء أمة أضاءت وجه التاريخ.

عندها، يغدو شعورك مزيجًا من هيبةٍ وحنين، من خشوعٍ وشكر، من دمعةٍ صامتة تسبق اللسان بالحمد، لأن الله بلّغك هذا المقام، وقرّبك من طيبة، المدينة التي أكرمها ربُّ السماء بأن جعل فيها قبرَ الحبيب، ومهبطَ الرحمة، ومأرزَ الإيمان إلى قيام الساعة.